من تجارب الدول الناجحة في مجال العمل السكاني
في - الأربعاء 28 مايو 2008تعتبر التجربة التونسية من التجارب الناجحة والسباقة في مجال العمل السكاني، لانتهاجها سياسة سكانية نموذجية في إطار سعيها الدؤوب إلى إرساء التوازن بين النمو الاقتصادي والنمو السكاني لتحقيق مستوى عالٍ من الرفاهية وفي عقد السبعينيات، والتي تعتبر المرحلة الثانية من العمل السكاني، كان إنشاء الديوان الوطني للعائلة والسكان عام 1973م أحد المرتكزات الإضافية للعمل السكاني في تونس إذ بدأ الديوان في تطبيق السياسة الوطنية للسكان في مجال التخطيط العائلي والسكان، والتي تتمحور حول محورين أساسيين هما خفض النمو السكاني وحماية صحة الأم والطفل وإنشاء المجلس الأعلى للسكان في 1974م والذي يجمع مختلف الوزارات والمنظمات الوطنية ويعنى برسم التوجهات العامة للسياسة السكانية.
ومع بداية عقد الثمانينات اعتمدت تونس نهجاً جديد ومتكاملاً ذي برامج متعددة شمل أنشطة حماية صحة الأم والطفل، الأمر الذي جعل دمج خدمات تنظيم الأسرة ضمن الخدمات الصحية الأساسية لتمكين المستفيدين من الحصول على النصائح والخدمات من خلال المراكز الصحية التابعة لوزارة الصحة والديوان.
وقد سجلت مؤشرات التنمية البشرية دون استثناء تحسناً ملحوظاً في تونس إذ بلغ توقع الحياة عند الولادة 73 سنة عام 2002م، وتقلصت نسبة الأمية إلى 23.3بالمائة، كما ارتفع نصيب الفرد من الناتج المحلي العام إلى 6390 دولاراً، ويمر المجتمع التونسي اليوم بالمرحلة الأخيرة من التحول الديموغرافي بما يترتب عنها من انعكاسات على مختلف المجالات الحيوية بما في ذلك التعليم والتشغيل والضمان الاجتماعي، حيث شهدت السنوات الأخيرة تحولاً للوضعية الديموغرافية مما نتج عنه انخفاض في نسبة الخصوبة إلى طفلين لكل امرأة عام 2002م ، وتراجعت نسبة الوفيات الخام إلى 5.8بالمائة، كما تراجعت نسبة النمو الطبيعي من 1.7بالمائة عام 1994م إلى 1.08بالمائة عام 2002م، وتضاعف سكان تونس خلال 30 سنة بين عامي 1966-1996م، وبفضل التحكم في النمو الديموغرافي لن يتضاعف عددهم مرة أخرى إلا خلال 65 سنة بحسب النمو الطبيعي عام 2002م. ويبقى متوسط سن الزواج من أهم محددات انخفاض الخصوبة، إذ بلغ متوسط عمر الرجل عند الزواج الأول 33 سنة مقابل 29 سنة عند الإناث.
وفي التعليم انخفضت نسبة التسرب من الدراسة وذلك بفضل تطوير البرامج والمناهج التعليمية والتحسن في البنية التحتية. وفي بعض المراحل التعليمية يفوق نسبة الإناث على الذكور كما في المستويين الثانوي والجامعي ، حيث بلغ 53بالمائة وفي المراكز المهنية بلغ 33.5بالمائة عام 1999م مقابل 27بالمائة عام 1996م ، كما شهد البرنامج الوطني لتنظيم الأسرة تطوراً ليصبح البرنامج الوطني للصحة الإنجابية ويشمل عناصر جديدة مستهدفاً شرائح اجتماعية مختلفة، خاصةً من هم في سن الإنجاب، وتم إدماج عناصر الصحة الإنجابية ضمن السياسة السكانية. وخلال العشر سنوات الأخيرة تم تنفيذ العديد من الدراسات والبحوث المتعلقة بالصحة الإنجابية ، كما تم اعتماد نظام إعلامي جديد وتطبيقه تدريجيا والذي يرتكز على المتابعة والتقييم الكمي والنوعي للخدمات المقدمة وأنشطة الإعلام والتثقيف والاتصال. وقد أظهرت الدراسات أن هناك تحسن في مؤشرات الصحة الإنجابية، فارتفعت نسبة استعمال وسائل منع الحمل المختلفة من 59بالمائة عام 1994 إلى 63بالمائة عام 2002م، كما ارتفعت نسبة الولادة تحت الإشراف الطبي من 80بالمائة عام 1994م إلى 90بالمائة عام 2002م.
وفي مجال الصحة الجنسية والإنجابية للشباب، أنجزت تونس العديد من البحوث الهادف إلى تحديد معارف الشباب ومواقفهم وممارستهم والعوامل المؤثرة على سلوكهم كالترفيه والعادات والمطالعة، وبفضل هذه الدراسات ساعدت أصحاب القرار والمخططين من الاطلاع عن قرب على المشاكل التي يعيشها الشباب وتصوراتهم لمختلف مظاهر الحياة اليومية، وعلى ضوء نتائجها تم وضع برامج خاصة بالشباب بحيث تلبي طموحاتهم في شتى المجالات، كما تم وضع برامج تثقيفية وإنشاء 500 نادي للصحة عبر تنظيم أيام وطنية تثقيفية تشمل العديد من المواضيع (الصحة النفسية ، صحة الفم والأسنان ، نقص السمع ، التدخين ، الحوادث... الخ) مولية في ذلك اهتماماً خاصاً بالصحة الجنسية والإنجابية، كما وضع الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري منذ بداية عام 1994م، برنامجاً للشراكة مع المنظمات الحكومية وغير الحكومية في مختلف الميادين المتصلة بالصحة الجنسية والإنجابية مستهدفة الشباب داخل الوسط المدرسي وخارجه عبر العديد من الأنشطة، حيث دعم هذا التعاون برامج تستهدف المراهقين والشباب، وقد تم تأسيس مشروع الشباب والصحة الإنجابية 1997-2001 الذي تمكن من تغطية 75000 شاب خاصة خارج الإطار المدرسي وهو يعد نموذجا ناجحا للشراكة بين الهياكل الحكومية وغير الحكومية، كما أن هناك مشروع أخر خاص بالوقاية من الأمراض المنقولة جنسياً الذي استهدف طلبة إقليم تونس الكبرى ، وبرنامج خاص حول الصحة الجنسية والإنجابية للمراهقين والشباب للفترة 2002-2006م يهدف إلى تحسين معارف 1.600.000 شاب وشابة في تونس، وتقريب الخدمات الصحية الملائمة عند الحاجة.
وبفضل النجاحات التي حققها الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري نال المركز إمتياز في مجال السكان عام 1994م من قبل صندوق الأمم المتحدة للسكان وقد أطلعت كثير من الدول على التجربة التونسية الناجحة في مجال العمل السكاني، الأمر الذي دفع تلك الدول لنقل هذه التجربة إليها للاستفادة منها في تطوير وتحسين برامجها السكانية.
إعداد/ جواد محمد الشيباني