تحت شعار (الثقافة والنوع الاجتماعي وحقوق الإنسان-الوصول إلى قاعدة مشتركة)

تدشين تقرير حالة سكان العالم 2008م لصندوق الأمم المتحدة للسكان تزامناً مع ذكرى مرور ستون عاماً على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

في - الأحد 28 ديسمبر 2008

دشن بمركز التدريب والدراسات السكانية بجامعة صنعاء التقرير السنوي الخاص بحالة سكان العالم لهذا العام 2008م والذي يصدر في 12 نوفمبر من كل عام عن صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA).

ويناقش هذا التقرير الجديد الذي صدر هذا العام تحت شعار (الثقافة والنوع الاجتماعي وحقوق الإنسان-الوصول إلى قاعدة مشتركة) ، مبادئ حقوق الإنسان كونها تجسد قيماً عالمية ، كما أنه يدعو لتبني طرق مراعية للحساسية الثقافية لأغراض تنموية ، وذلك بسبب أن هذا النهج جوهري لتعزيز مبادئ حقوق الإنسان بشكل عام وحقوق المرأة بشكل خاص.

وهذه الطرق المراعية للحساسيات الثقافية ، تدعو إلى المعرفة الثقافية، وإدراك كيف تعمل كل ثقافة وكيف يمكن التعامل مع كل واحدة منها على حده ، وفي هذا الصدد يقترح التقرير بأن الشراكة -على سبيل المثال- بين صندوق الأمم المتحدة للسكان والمنظمات غير الحكومية المحلية يمكن أن تخلق استراتيجيات فعالة بغرض تعزيز مبادئ حقوق الإنسان بما في ذلك تمكين المرأة والمساواة بين الجنسين وإنهاء جميع أنواع الإساءات والانتهاكات لحقوق الإنسان كتشويه الأعضاء التناسلية للأنثى أو قطعها (الختان).

ويشير التقرير إلى أن التطور الثقافي هو حق مشروع كما هو الحال بالنسبة للتطور الاقتصادي والاجتماعي ، وتسعى الطرق المراعية للحساسيات الثقافية للحصول على حلول مجدية بين الثقافات والتعامل معها ، حيث أن هذه الطرق مهمة جداً لفهم علاقات القوى الاجتماعية والاقتصادية والسياسة والقانونية وما تعنيه للتنمية ، لذلك يحذر هذا التقرير من أن ظهور الحساسيات إتجاه قضايا ثقافية لا تعني قبول ممارسات تقليدية مضرة وانتهاكات لحقوق الإنسان ، ولكن هذه كلها بعيدة كل البعد عنها. ففي كل الثقافات ، يمكن وجود قيم وممارسات مناهضة أو منتهكة لحقوق الإنسان ، ولكن بدراسة الحقائق ذات الطابع الثقافي لثقافة ما يمكن أن يتم الكشف عن الطرق الأكثر فعالية لمواجهة مثل هذه الممارسات الثقافية المضرة ، ومن ثم تعزيز الممارسات الثقافية النافعة.

وحول موضوع حقوق الإنسان ، يذكر التقرير بأن النقاش فيما إذا كانت مبادئ حقوق الإنسان قيم عالمية قد أغفلت كثيراً العلاقة التداخلية الحرجة بين حقوق الإنسان والثقافات ، فحقوق الإنسان تحمي الجماعات وكذلك الأفراد معاً -فعلى سبيل المثال- من ضمن الحمايات التي توفرها حقوق الإنسان للجماعات هي الحصول على الخدمات الصحية بما في ذلك الصحة الإنجابية ، ومن الأشياء الشائعة في كل الثقافات هي مقاومة الحرمان والظلم ، حيث يقوم الناس باستخدام الغة المطالبة بحقوق الإنسان للتعبير عن هذا الظلم أو الحرمان ، ولكن الاثنان معاً أي الأفراد والجماعات الثقافية يفهمون الحقوق العالمية بطرقهم الخاصة ، ويناصرون هذه الحقوق بشكل يجعلها تنسجم مع بيئتم الثقافية ، وما يدعوه التقرير بـ"الشرعية الثقافية" يمكن أن تكون طريقة لتثبيت مبادئ حقوق الإنسان ، ولكن الحصول على هذه الشرعية يتطلب وجود المعرفة الثقافية ضمن تلك الجماعات أو الأفراد.

ويؤكد التقرير على أنه يجب مراعاة أن تصل الطرق المراعية للحساسيات الثقافية إلى كل المجتمعات بما في ذلك الجماعات المهمشة في تلك المجتمعات حيث أن هذه العملية لا يمكن التنبؤ بها أو القيام بها بين عشية وضحاها ، فالتنمية البشرية مع الإدراك الكامل لمبدأ حقوق الإنسان تعتمد كلياً على وجود ترابط ثقافي جاد بين مختلف الثقافات.

وفيما يتعلق بقضية تمكين المرأة والمساواة بين الجنسين ، أفاد التقرير بأنه على الرغم من وجود اتفاقيات دولية بما في ذلك أحداث هذه الاتفاقيات والمتمثلة باتفاقية أهداف التنمية الألفية الدولية ، إلا أن عدم المساواة بين الجنسين لا زالت منتشرة ومغروسة بعمق في كثير من الثقافات ، فالإناث يمثلن ثلاثة أخماس فقراء العالم والبالغ عددهم مليار فقير على مستوى العالم ، كما أن النساء يمثلن ثلثي الأميين البالغين ، وأما نسبة الفتيات اللاتي لا يحصلن على التعليم فتصل إلى 70بالمائة من أصل 130 مليون طفل لا يتلقون التعليم.

وبخصوص الصحة والحقوق الإنجابية ، يشير التقرير إلى أن مفهوم الثقافات والناس عن الصحة والحقوق الإنجابية تختلف حتى في المجتمع الواحد ، وما يقصد بالحساسية الثقافية هو الحذر من التعدد في مثل هذه المفاهيم للصحة والحقوق الإنجابية وكذلك الاستعداد للنشئ غير المتوقع -فعلى سبيل المثال- هناك بعض الرجال الذين يعملون لصالح المساواة بين الجنسين ولكن هذا العمل يكون ضد اهتماماتهم الخاصة ، وبالمثل، هناك بعض النساء اللاتي يناصرن بعض الممارسات التي تضربهن.

فالطرق المراعية للحساسيات الثقافية تدرك هذا التناقض وتعمل في إطار الأفكار وآراء المجتمع الواحد، كما تساعد تلك الطرق على التخفيف من المقومات ذات الطابع الثقافي وتجاوزها أيضاً بالنسبة للأزواج والأفراد الذين يستخدمون أساليب منع الحمل الحديثة ، كما أن هذه الطرق تمكن المرأة وبشكل خاص من التحكم في خصوبتها، ومن هنا تعتبر هذه الطرق أدوات جوهرية تستخدمها منظمات التنمية المهتمة بتعزيز الصحة الإنجابية والجنسية.

أما فيما يتعلق بقضايا الفقر وعدم المساواة والسكان، أكد التقرير على أهمية تحقيق الأهداف الألفية بحلول عام 2015م والمنبثقة من نتائج المؤتمر الدولي للسكان والتنمية للعام 1994م ، باعتبار أن معظم هذه الأهداف قد تم تضمينها في وثيقة أهداف الألفية الإنمائية بما في ذلك تحقيق العناية الصحية الإنجابية وتمكين المرأة وتحقيق المساواة بين الجنسين.

وفي هذا الصدد يبين التقرير بأن "التنمية" غير العادلة تؤدي إلى ظهور المزيد من الفقراء كما تجعل الفقراء أكثر فقراً. وعليه ففي ظل وجود مستويات متدنية من الصحة والتعليم، فإنه من الصعب جداً على الفقراء الاستفادة من أي دخل إضافي لتحسين مستويات حياتهم أو الحصول على حياة أفضل ، كما أن الوصول إلى المصادر المتاحة والحصول على الفرص والتمتع بحقوق الإنسان تعتمد بشكل أساسي على العلاقات بين الجنسين أو النوع الاجتماعي واستغلال القدرات الجسدية ، وهنا يستنتج التقرير أن أحد الشروط الأساسية لصنع سياسات أفضل هو القيام بتحليل خيارات الناس ضمن ظروفهم وبيئاتهم الثقافية المحلية.

وقد كشف التقرير أن الفقر ليس العامل الرئيسي وراء منع النساء من استخدام وسائل تنظيم الأسرة وإنما المعوقات الثقافية هي السبب في ذلك ، فمن الممكن أن تحرز البرامج نجاحات باهرة حتى في حالة وجود تنمية اقتصادية طفيفة كما هو الحال في بنغلادش.

كما ينوه التقرير إلى أن المفتاح الأساسي لأمومة أكثر أمناً هو وجود صحة إنجابية أفضل وذلك من خلال إتباع الآتي:
-الوصول إلى خدمات تنظيم الأسرة وذلك بغرض خفض حالات الحمل التي لا تخضع. لإشراف كادر طبي متخصص ، وللمباعدة بين فترات الحمل.
-توفير عناية طبية ذات مهارة عالية لكل حالات الولادة.
-توفير العناية الآتية لحالات العسر خلال الولادة.
-العناية ذات المهارة العالية للنساء والأطفال بعد الولادة.

وأفضل حالات الولادة هي عندما تلد المرأة في حضور كادر متخصص حيث سيؤدي ذلك إلى نتائج أفضل ، فالنساء الفقيرات وكذلك الدول الفقيرة التي تمتلك عدداً بسيطاً من متخصصي الولادة يكون لديها نسب عالية من وفيات الأمهات والمراضة ، فالمسألة ليست مسألة أرقام وإنما القضية أكبر من ذلك ، فالتحدي الأكبر لا يكون في مجرد توفير خدمات الصحة الإنجابية أو توفير متخصصي ولادة وإنما في عملية توفير متخصصين ذات علاقات وارتباطات ثقافية مع النساء اللاتي يحصلن على تلك الخدمات وتوفير خدمات الطوارئ والإحالة والمراجعة التي هي مقبولة ثقافياً.

هذا وقد قام صندوق الأمم المتحدة للسكان بإصدار ملحق للتقرير تحت عنوان "إحداث التغيير-الشباب والثقافة" والذي يحتوي على قصص حياة شباب وشابات ، ويقدم عروض لتجاربهم وإنجازاتهم في عدة ثقافات مختلفة.

أمين عبدالله إبراهيم

مواضيع ذات صلة