صحة أطفالنا مرهونة بالتحصين الروتيني
في - الأربعاء 24 أكتوبر 2012عندما يولد الطفل يغادر موضعاً فائق النظافة والتعقيم إلى عالم مليء بجراثيم وخيمة لا قيبل لجسمه الصغير الوهن على التصدي لها ومقاومتها، وليس له حينها سوى مناعة مؤقتة يحصل عليها من أمه ضد بعض الأمراض وليس كل الأمراض، لكن هذه الأجسام لا تلبث أن تزول حتى تنتهي تدريجياً بعد فترة وجيزة بعد الولادة. لذلك من المهم إعطاء الطفل التطعيمات اللازمة ضد أمراض الطفولة القاتلة خلال عامه الأول، مع ضرورة إتباع الجرعة الأولى للقاح الحصبة التي تعطى للطفل بعد الشهر التاسع من عمره بجرعة ثانية عند بلوغه من العمر عاماً ونصف (18شهراً).
إن زهاء المليونين من الأطفال دون سن الخامسة في العالم بحسب التقديرات يموتون سنوياً بسبب حرمانهم من التحصين ضد أمراض الطفولة القاتلة .. نصفهم تقريباً يلقون حتفهم بسبب مضاعفات الحصبة، وما من واقٍ يمكن الاعتماد عليه في حماية وصون الطفولة من هذه الأمراض يغني عن التحصين الروتيني فوحده بلقاحاته الفعالة قادر على التصدي لأمراض الطفولة الثمانية الفتاكة؛ وما من مشكلة في الحصول على الجرعات كاملة في مواعيدها لضمان الوقاية والحماية الكاملة من تلك الأمراض، وهو مجاني متوفر في جميع المرافق الصحية التي تقدم خدمات التطعيم كالمراكز والواحدات الصحية والمستشفيات في سائر محافظات ومناطق الجمهورية.
ومع الأسف لا يزال التحصين الروتيني دون المستوى المطلوب ، ولا يزال بعض الآباء والأمهات غير مدركين لأهميته. لذلك لا يحقق المستوى المطلوب ، وهذا بدوره قد يهيئ ملاذاً خصباً وآمناً لأمراض الطفولة وجراثيمها وميكروباتها الشرسة متى استمر تدني التطعيم الروتيني ، مبدداً جهوداً وانجازات عظيمة بذلت في التصدي لأمراض الطفولة القاتلة ، ما لم يستشعر الآباء والأمهات بمسؤوليتهم تجاه الأطفال وصونهم بالتحصين ضد هذه الأمراض الوخيمة. ويحصن الطفل بإعطائه لقاحات متنوعة تعد وتهيئ جسمه لمقاومة الميكروبات والجراثيم المسببة للكثير من الوفيات والتشوهات والإعاقات ، فيما تعطى هذه اللقاحات بواسطة الحقن باستثناء لقاح شلل الأطفال المتوفر لدى مراكز التحصين في بلادنا فهو على خلافها ، حيث يعطى من خلال قطرات في الفم ، وكذلك جرعة فيتامين (أ) أيضاً تعطى عن طريق الفم.
ومن اللقاحات ما يعطى مرة واحدة كالقاح الحصبة والسل ، ومنها ما يعطى ثلاث مرات مثل اللقاح الخماسي ولقاح شلل الأطفال، وبفاصل زمني يحدد بشهر بين الجرعة والأخرى، مع العلم بأن لقاح الحصبة لا ينطبق عليه هذا الترتيب، حيث لا يعطى للطفل إلا بعد بلوغه الشهر التاسع من العمر، معززاً بجرعة فيتامين (أ) اللازم لصحة الجسم ولتدعيم مناعته ضد مختلف الأمراض. بالإضافة إلى منحه جرعة ثانية من لقاح الحصبة مع جرعة فيتامين (أ) لدى بلوغه عام ونصف من العمر. فلابد من أخذ الطفل جرعات التطعيم قبل بلوغه العام من العمر، مع استيفاء الجرعة الثانية من اللقاح المضاد للحصبة لدى بلوغه من العمر ثمانية عشر شهرا (عام ونصف)؛ ولو كان مصاباً بمرض طفيف أو بأعراضٍ عادية مثل (الحمى الخفيفة-السعال-الزكام-الإسهال) فلا داعي لتأجيل تحصينه أو إرجاءه لموعد لاحق، فما من ضررٍ يمكن أن يتعرض له لو أعطي الجرعة في موعدها. فالتحصين مبني على أساس متين لاحياد أو تراجع عنه وهو وقاية الأطفال من الإصابة ببعض الأمراض المعدية المهددة لهم التي إذا تفشت وانتشرت أفضت إلى ارتفاع نسب الذين يموتون بسببها بشكلٍ مريع، أي أنه يوفر حماية كاملة للأطفال. في حين أن الأطفال غير المحصنين يظلون عرضةً لأمراض الطفولة ولمضاعفاتها الوخيمة، كتأخر النمو وسوء التغذية والإعاقة والتشوهات وغيرها من المضاعفات والآثار المدمرة التي تقود حتماً في أسوأ الأحوال إلى الوفاة.
ربما تساور بعض الناس مخاوف أو شكوك من أن بعض اللقاحات ذات تأثير سلبي على صحة الأطفال على نحوٍ يعرضهم للخطر، وخاصة الحقن، ما يدفع بهم إلى الإحجاب عن تحصين أطفالهم. لكن هذا بحد ذاته خطاً كبيراً مبنياً على أساسٍ غير صحيح ويجدر ألا يقدم عليه أحد، لأن تلك اللقاحات ما كان لها أن تحظى بالثقة وأن يركن إليها في وقاية وحماية الأطفال من أمراض الطفولة، ما لم تكن قد جربت وأخضعت للأبحاث والتجارب العلمية المعملية، ثم أنتجت بعناية فائقة للحد نهائياً من تعرض فلذات الأكباد للإصابة بأمراضٍ تسبب الكثير من الوفيات أو التشوهات والإعاقات.
وحقيقةً قد تبدو الحقن مؤلمةً قليلاً وربما تسبب احمراراً وورماً وحمى خفيفة، إلا أنها أعراض طبيعية تنتج عن تفاعل الجسم مع اللقاح ولا تلبث حتى تختفي في غضون يوم أو يومين لدى أغلب الحالات، فلا داعي للخوف أو القلق منها نهائياً. ويمكن تخفيف الألم والورم والاحمرار الذي تسببه الحقنة بوضع كمادات باردة في موضع الورم، ويتم خفض درجة الحرارة المرتفعة (الحمى) في هذه الحالة بغسل جسم الطفل بماءٍ عادي من رأسه وحتى قدميه.
وعلى الطرف الأخر أتوجه إلى جميع الأخوات في الفئة العمرية من (15-45عاماً) المتزوجات وغير المتزوجات وحتى الحوامل في أشهر الحمل المختلفة، بدعوتهن إلى التحصين ضد مرض الكزاز بالذهاب إلى المرافق الصحية ليحصلن على الجرعات الوقائية طالما لم يحصن من قبل بكامل الجرعات، ومن ثم استكمال جميع الجرعات المتبقية، وإن تأخرن على الجرعة الثالثة مثلاً أو الرابعة أو الخامسة، فهذا لا يبرر انقطاعهن عن التحصين وعدم ذهابهن إلى المرفق الصحي، حيث لن يضطررن وقتها إلى إعادة الجرعات السابقة بل سيكملن ما تبقى من جرعات. فالتطعيم الروتيني قائم على كل حال طوال العام دون انقطاع وذلك عبر المرافق الصحية لتحصين جميع الأطفال دون العام والنصف من العمر بحسب مواعيد الجرعات المدونة ببطاقة أو كرت التطعيم الخاص بالطفل، وكذلك التحصين الروتيني للفتيات والنساء في سن الإنجاب من عمر (15-45عاماً) ضد مرض الكزاز وهو مرهون -أيضاً- بالتزامهن بمواعيد الجرعات بحسب كرت التطعيم.
وأخيراً ... يجب علينا الالتزام بجميع جرعات التحصين لأطفالنا التي ستقيهم من الأمراض القاتلة ، وذلك حتى لا يكونوا عبئاً ثقيلاً على أنفسهم وعلى مجتمعهم.
إعداد/ وهيبة العريقي