أصول وتطور مفهوم الصحة الإنجابية
في - الأحد 23 يوليو 2006شكل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، والذي عقد في القاهرة عام 1994 نقطة تحول في الأسلوب الذي نظر به المجتمع الدولي إلى التحدي السكاني فلم يعد ينظر إلى السكان على أنهم مجرد تحد ديمغرافي يتعاطى مع الأرقام ويتطلب إجراءات تهدف إلى التنظيم والتحديد بل اصبح ينظر الى السكان ضمن الإطار الأوسع للتنمية والرفاه البشري. حيث تمت دراسة العلاقات والتوازن بين السكان والتنمية المستدامة ولعوامل البيئية. بحث العلاقات بين عوامل النمو السكاني وعوامل الصحة الإنجابية.
ولقد اتفقت 197 دولة عضو في الأمم المتحدة على أنه ينبغي على السياسات السكانية أن تتصدى لقضايا التنمية الاجتماعية أكثر من مجرد تنظيم الأسرة، وعلى وجه الخصوص قضايا دفع المرأة قدماً، وأن يتم تقديم تنظيم الأسرة ضمن رعاية الصحة الإنجابية، وتؤكد هذه الرعاية ضمان الحمل الصحي والمأمون (الأمومة السليمة وصحة الطفل)، والوقاية من الالتهابات المنقولة جنسياً بما فيها مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)، والتصدي للعوامل الأخرى التي تساهم في تدني صحة المرأة كالعنف الممارس ضدها في إطار العائلة ويقف وراء هذا التأكيد الجديد الاعتقاد القائل بأن تعزيز صحة الفرد وحقوقه سوف يؤدي في النهاية إلى خفض الخصوبة وإبطاء معدل النمو السكاني.
مفهوم الصحة الإنجابية
جاء مفهوم الصحة الإنجابية بشكل عام رداً على السياسات السكانية التي تدعو أما إلى خفض أو زيادة عدد السكان متجاهلة الأبعاد الإنسانية والعوامل المؤثرة فيها والمشاكل المترتبة عليها.
وفي عام 1968 عقد المؤتمر العالمي الأول لحقوق الإنسان في طهران حيث أكد على انه للوالدين الحق والحرية في تقدير عدد الأطفال وتحديد فترة المباعدة بينهم، والحق في الحصول على المعلومة التي تساعدهم على ذلك. ثم تلاه مؤتمر بوخارست الدولي للسكان عام 1974 وكشف عن وجود صراعات فكرية حول السكان والتنمية مما نتج عنه عمل شعار يؤكد على ان التنمية هي افضل وسائل تنظيم الاسرة. وشملت توصيات المؤتمر العالمي الثاني لحقوق الإنسان والذي عقد في المكسيك عام 1984 أمور تتعلق بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية والسكانية منها تكوين الاسرة ومكانة المرأة. وقد استخدمت منظمة الصحة العالمية ما أسمته بالتعريف العملي للصحة الإنجابية والذي يدعو الى تقديم عناية اكثر فعالية لاحتياجات البشر الجنسية والإنجابية وذلك بتنسيق الخدمات المختلقة.
وقد أكدتها محاولات الدكتور/محمود فتح الله والذي عمل كمدير لبرنامج الإنجاب البشري في منظمة الصحة العالمية من عام 1986 ولغاية عام 1992 بالكتابة والقاء المحاضرات حول الترابط بين الأمومة السليمة وخدمات صحة الام والطفل وتنظيم الاسرة وبين المفهوم الجديد للصحة الإنجابية وذلك بتقديم عناية اكثر فعالية لاحتياجات البشر الجنسية والإنجابية من خلال تنسيق الخدمات المختلفة. لكن هذا التعريف لم ينل انتباه الهيئة العامة للمنظمة بسبب وجود اختلافات في وجهات النظر حول الحقوق الإنجابية وصحة المراهقين ومسؤوليات الوالدين والإجهاض.
وفي لقاء المرأة والسكان المنعقد في غابورن/بوتسوانيا في حزيران 1992 والذي ضم أعضاء مدافعين عن صحة المرأة وعن استخدام التعريف العملي لمنظمة الصحة العالمية كانت هناك البداية لتأكيد أهمية العلاقة بين صحة الأمومة وتنظيم الاسرة ووجود خدمات أخرى في مجالات الصحة الإنجابية. وقد لقي هذا التوجه تأييداً كبيراً في اجتماع الخبراء ووزراء الدول الذي عقد في بنجالور في تشرين الأول من نفس العام حول تنظيم الاسرة وصحة ورفاه الاسرة. ومن ثم حشدت الجهود من خلال الحركة العالمية لصحة المرأة والتي ضمت مستويات مختلفة من التنظيمات غير الحكومية وشبكات نسوية للمشاركة في المؤتمر الدولي للسكان والتنمية والمنعقد في القاهرة عام 1994 للتأكيد على ان صحة وحقوق المرأة غير المعتبرة ديمغرافياً هي من اهم القضايا التي يجب طرحها في المؤتمر. ولم تطرح قضية الصحة الإنجابية كاستراتيجية محدودة في صحة المرأة بل ربطدتها في قضايا تمكين المرأة والعدالة بين النوع الاجتماعي وحرية الاختيار للأفراد والزوجين. كما أثارت قضية دور الرجل ومسؤولياته نحو الجنس والإنجاب.
وفيما يلي اهم الخصائص التي ميزت المؤتمر الدولي للسكان والتنمية:
-نقطة تحول في الأسلوب الذي نظر به المجتمع الدولي الى التحدي السكاني.
-ضمان الوصول على نطاق شامل الى الرعاية في ميدان الصحة الإنجابية بما في ذلك تنظيم الاسرة والصحة الجنسية.
-وضح العلاقات بين عوامل النمو السكاني وعوامل الصحة الإنجابية (خدمات شاملة/التعليم الابتدائي/تخفيض وفيات الأطفال والأمهات/زيادة معدل العمر المتوقع للحياة).
-طرح قضية الصحة الإنجابية كاستراتيجية لا تقتصر فقط على صحة المرأة بل ربطها بتمكين المرأة والمساواة والعدالة وحرية الاختيار للأفراد والزوجين.
-التأكيد على مشاركة الرجل ومسؤولياته في قضايا الصحة الإنجابية كاملة.
وجرى تعريف الصحة الإنجابية في المؤتمر الدولي للسكان والتنمية بأنها "حالة رفاه كاملة بدنية وعقلية واجتماعية في جميع الأمور المتعلقة بالجهاز التناسلي ووظائفه وعملياته، وليست مجرد السلامة من المرض أو الإعاقة".
وبذلك يكون التعريف قد وضع رؤية شمولية للفرد للتمتع بصحة نفسية واجتماعية وجسدية شاملة، متضمناً العناصر التالية:
-قدرة الأفراد على التمتع بحياة جنسية مرضية ومأمونة.
-حرية الأفراد في تقرير الإنجاب وموعده وتواتره، ويشتمل هذا الشرط ضمناً، على حق الرجل والمرأة في معرفة واستخدام أساليب تنظيم الأسرة المأمونة والفعالة والميسورة والمقبولة من وجهة نظرهما وأساليب تنظيم الخصوبة التي يختارانها والتي لا تتعارض مع القانون.
-الحق في الحصول على خدمات الرعاية الصحية المناسبة التي تمكن المرأة من أن تختار بأمان فترة الحمل والولادة، وتهيئ للزوجين أفضل الفرص لإنجاب وليد متمتع بالصحة.
-والى جانب الرؤية الشمولية فقد أخذ التعريف بعين الاعتبار مفاهيم الحقوق والمساواة والكرامة والمسؤولية في العلاقات.
إن تحسين خدمات الصحة الإنجابية يتضمن أكثر من توفير الرعاية خلال سنوات الحياة الإنجابية للمرأة كالاهتمام بمرحلة الطفولة والمراهقة. فالتغذية السيئة خلال مرحلة الطفولة والمراهقة، على سبيل المثال، تعتبر سبباً رئيسياً في تدني صحة المرأة خلال الحمل والولادة، إن هذه الحالة الصحية السيئة يمكن أن تنتقل إلى الأطفال، وبخاصة عندما يولدون بأوزان (أقل من 2500 جراما عند الولادة). والممارسات الضارة كختان الإناث (والذي يمارس بصورة رئيسية في أفريقيا)، والعنف المنزلي تنتهك الصحة الجسدية للمرأة علاوة على حقوقها الإنجابية أيضاً. كما أن الإعاقة الناجمة عن الولادة أو العدوى المنقولة جنسياً يمكن أن تؤثر على المرأة في السنوات اللاحقة من العمر.
د. فهد محمود الصبري