وقاية الأطفال الصغار.. من نزلات البرد والعدوى التنفسية تجنبهم مضاعفات قد تفضي إلى الوفاة
في - الأربعاء 20 فبراير 2013في الأجواء الباردة وتقلباتها تتزايد حالات الإصابة بأمراض تنفسية الكل يخشاها ويخشى تداعياتها على الصحة، تصيب الصغار والكبار، لكنها الأوسع والأشد وطأة وتأثيراً على الأطفال الصغار لتدني مناعتهم خلال موسم الشتاء حيث انتشار أمراض الجهاز التنفسي، وأشهرها نزلات البرد والزكام والأنفلونزا.
حول هذا النوعية من الأمراض وما لها من تأثير يتركز النقاش في اللقاء بالدكتور/ خالد غيلان سعيد -استشاري طب الأطفال «أستاذ مساعد طب الأطفال بكلية الطب- جامعة صنعاء»، جاء فيه: صور وإجراءات
•توضيحاً للصورة الحقيقية لنزلات البرد والزكام .. ما حجم هذه الأمراض ومدى الخطورة التي تشكلها على صحة الأطفال الصغار؟
-كما هو معروف التهابات الجهاز التنفسي العلوي بدايتها بسيطة وسهلة ومضاعفاته نادرة جداً، بل إن أغلب الحالات تشفى دون علاج، ونحن بدورنا ننصح بالرعاية الصحية المنزلية من قبل الأم والأسرة للطفل المصاب المبنية على أسس صحيحة بإبقائه في مكان دافئ وصحي والاهتمام بتغذيته بشكل جيد، وإعطائه سوائل إضافية «العسل -الليمون -البرتقال .. الخ» إلى القائمة الغذائية لغناها بالفيتامينات المقوية التي تساعد على الشفاء.
ولا أنصح الأم بالتوجه إلى الصيدلية وشراء علاج بنفسها، وكذلك الأب، كشراء مضادات حيوية، فأغلب هذه الحالات تمر بسلام، لكن الاهتمام حتماً يبدو جلياً إذا امتد المرض إلى ثلاثة أو أربعة أيام دون تحسن للمريض، بالتالي لابد من اللجوء إلى الطبيب المختص إذا مالوحظ لدى الطفل المريض صعوبة في التنفس، ازدياد عدد مرات التنفس من الفم، امتناعه عن الرضاعة الطبيعية أو أن تناول السوائل لشدة المرض، ارتفاع درجة حرارته إلى مافوق «38 أو 39 درجة مئوية»، ففيها دلالة على أن الجهاز التنفسي ملتهب بشكل حاد.
وأحياناً يصاحب ارتفاع درجة الحرارة تشنجات جداً مخيفة، خاصة عند حصولها للمرة الأولى. كل هذه العلامات مخيفة تستدعي بالضرورة نقل الطفل المريض على الفور إلى المرفق الصحي ومراجعة الطبيب المختص.
التسيب والإهمال
•ما النتائج المترتبة على عدم الاكتراث للوقاية ووسائلها لتجنب عدوى الأمراض التنفسية؟
-هذه في الحقيقة نشاهدها في تجمعات الأطفال التي يكون فيها ازدحام، كدور الحضانة، المدارس، رياض الأطفال، فلو نظرنا إلى الصف لوجدنا «30 إلى 50 طالباً»، وبوجود طفلين أو ثلاثة منهم مصابون بالزكام أو نزلة البرد يسهمون في نشر العدوى بين الأطفال من حولهم، فيجب التنبه لهذه المسألة حتى في المنزل عندما يصاب أحد أفراده.
لذا عند مشاهدة شخص مصاب يعطس أو يسعل أمام الآخرين ولا يحاول حينها استخدام منديل يغطي به أنفه، فإنه بالفعل سينشر في الهواء رذاذاً محملاً بالفيروسات والبكتيريا يستنشقه الآخرون.
ومن العادات السيئة جداً تقبيل شخص مصاب بالزكام لطفل صغير أو مولود في وجهه، قبلة نسميها إن صح التعبير في أسوأ الأحوال «قبلة الموت» لا سمح الله، كذلك التدخين له تأثير سيء للغاية على صحة الأطفال، وأي من ذلك يؤدي من دون شك إلى التهاب الجهاز التنفسي العلوي للطفل وقد يصير عنده التهاب في الجهاز التنفسي السفلي على نحو حاد وربما مميت إذا لم يسارع إلى علاجه. بالتالي يجب نهج سلوكيات صحية صحيحة والبعد عن سائر -ما ذكرت- من سلوكيات سلبية.
عشوائية التداوي
•ما مدى خطورة العشوائية في صرف وتناول الأدوية لعلاج نزلات البرد والأنفلونزا؟
-تناول الأدوية بشكل ذاتي وما يمثله من كارثة أحياناً على الصحة، نلاحظه في حياتنا العملية، فالطفل الذي عنده التهابات في الجهاز التنفسي قد يكون مصاباً بالتهاب اللوزتين، وليس من الصواب ذهاب الأب أو الأم إلى الصيدلية للحصول على أدوية لطفلهم، فيما قد تتطور الحالة لديه كأن يصير عنده «روماتيزم في المفاصل» وما إلى ذلك من تبعات على الصحة، «كروماتيزم القلب» ، والسبب أنه لم يستخدم العلاج الصحيح، لم يستخدم الجرعة الصحيحة.
علاوة على ذلك عدم الانتظام في مواعيد العلاج الصحيحة والاستمرار فيه على النحو الذي يحدده الطبيب أو استخدامه أدوية مزورة أو رخيصة.
إن تعاطي الأدوية من دون استشارة الطبيب المختص وأخذ الأمور ببساطة مغامرة، فلماذا الاجتهاد وذهاب المريض للتطبيب نفسه بنفسه أو من ينوب عنه كولي أمره. فلماذا الصيدلي أو البائع في الصيدلية أو مخزن الأدوية يصرف العلاج دون «رشدة الطبيب»، وهو أساساً لا علم له بتشخيص الأمراض، فهذا ليس مجاله أو تخصصه، ولكن للأسف هَمّ البعض الربح ولا سواه .. هذه مغامرة في حياة الناس ومسؤولية يتغاضى عنها ببساطة دونما إدراك للعواقب، وخطأ يشترك فيه المريض أو ولي أمره إذا كان طفلاً، عندما لا يرى أهمية في الذهاب إلى المرفق الصحي أو المستشفى أو العيادة لتشخيص المرض على الطبيب، ويرى لقرب الصيدلية من منزله أنه قد وجد مبتغاه، فيذهب بطفله أو بنفسه إلى الصيدلي بدل الطبيب ليقرر ويبيع له العلاج ويأخذ كورس دواء كاملاً، فإذا ما نجح الدواء وارتاح المريض ولم يحصل له شيء في المرة الأولى لسبب أو لآخر، نظراً لأن نوعية المكروب استجاب للعلاج، فلا يعني المحاولات التالية ستنجح، فالمضادات الحيوية لا يمكن تحديدها إلا من قبل المختص، وهناك العشرات، بل المئات من أنواع المضادات، لكن اختيارها يجب أن يكون قائماً على أساس علمي يعتمد على الطبيب المختص فقط ، وليس على أساس عشوائي.
التشنجات ومواجهتها
•ظهور تطورات جديدة لدى الطفل المصاب بنزلة البرد، كحالة التشنج كما ذكرت .. هل يقتصر سبب ظهورها على ارتفاع درجة الحرارة، أم أن ثمة أسباباً أخرى؟
-التشنج في واقع الأمر يأتي بسبب ارتفاع درجة الحرارة أو نتيجة أمراض أخرى. وهو ليس طبيعياً، لانفعالات إفرازات وإشارات كهربائية غير طبيعية من قشرة الدماغ ينشأ عنها حالة تشنج شديد وفقدان الوعي لدى الطفل. وأسباب التشنجات عديدة فقد تكون ناجمة عن إصابة الطفل بالتهاب في سحايا الدماغ، أي بالدماغ نفسه أو نتيجة النقص والعوز في بعض المواد اللازمة للجسم؛ وهذه مشكلة كبيرة.
غير أنه قد يكون السبب بسيط جداً وهو أن الطفل مصاب بزكام وارتفعت درجة حرارته فأدت إلى تشنجه. وأول إصابة له بالتشنج ارتفاع درجة حرارته يفاجئ الأسرة ويربكها كثيراً وخصوصاً الأم وإذا بها تنظر إلى طفلها في وضع لم تشهده من قبل، وكأنه يوشك على مفارقة الحياة، فدخوله في مرحلة تشنج يفقده وعيه ويخيف الأم، ولو استوعبت الأمر وفهمته لوجدت أن الإجراء بسيط وسهل؛ وكل المطلوب منه في هذه الحالة اللجوء إلى كمادات الماء البارد وإعطاء الطفل خافض للحرارة، ومن ثم إسعافه إلى المرفق الصحي.
إننا نعطي علاجات سهلة وبسيطة اسمها العلمي «باراسيتامول» ولا ننصح بباقي الأدوية، وهو علاج فعال وبسيط وليس له تأثيرات جانبية؛ ومن المفروض أن يتوافر في البيت ويعطى منه معلقة صغيرة إذا كان الطفل صغيراً، أما الطفل الأكبر منه «2-5 سنوات» ، فيعطى ملعقة كبيرة «5 مل» ولكن عند أول حالة إصابة بتشنجات تستدعي بالضرورة إسعافه فوراً ومراجعة الطبيب المختص، فلعل التشنج ليس بسبب الحمى، وإنما نتيجة إصابة الطفل بالتهاب الجهاز التنفسي أو ربما لعوامل أخرى، كالتهاب الأذن الوسطى أو التهاب السحايا، أو ربما يكون عنده التهاب بالحبل الشوكي أو التهاب بالمسالك البولية، ولذا فإن أي طفل ترتفع درجة حرارته لأي سبب مرضي من المحتمل أن يرافقه تشنج، ، ولابد من خفض درجة حرارته بواسطة الكمادات الباردة، وإعطائه خافضاً للحرارة، وإسعافه إلى المرفق الصحي أو إلى أقرب طبيب مختص، فالطبيب هو الشخص الوحيد الذي سيكتشف سبب التشنجات، إن كانت ناتجة لسبب بسيط عن التهابات أخرى خطيرة بما فيها الحمى الشوكية -على سبيل المثال- فنحن لا نريد أن نخوف الناس، إلا أن الطفل الذي يتشنج لابد من التعامل معه بشكل جاد وصريح وتسليمه إلى أيادٍ مختصة.
وأود أن أذكر أن ليس على للأم الاكتفاء بإعطاء طفلها الذي تبدو عليه حمى وتشنجات، كمادات باردة وخافض للحرارة، فربما وراء هذه الحمى سبب خطير يمكن معالجته بسهولة في وقت مبكر، والطبيب وحده هو القادر على ذلك.
الوقاية .. والرعاية المنزلية
•التعامل مع البرودة وتدني مستوى درجة الحرارة في المنزل يقابلها البعض بتدابير، كإيلاء تغذية الطفل اهتماماً واسعاً إلى حد المغالاة أحياناً، وما إلى ذلك من تدابير وقائية .. فما الذي يصح أو لا يصح في هكذا تدابير؟
-جانب الوقاية مهم، فالوقاية خير من العلاج، وعلى عدة محاور تتمركز الوقاية، أولها التغذية الجيدة، لا أعني اقتصارها فقط على موسم الشتاء.
وعلى الأم أن ترضع طفلها من حليبها منذ ولادته مباشرة، على الدوام دون اللجوء إلى غيره من ألوان الحليب المختلفة، وذلك حتى الشهر السادس، وسيكون بذلك في حالة غذائية جيدة وعنده مقاومة للأمراض، ليس من الزكام والتهاب الجهاز التنفسي فحسب، ولكن أيضاً ضد الكثير من الأمراض.
فالتغذية الجيدة أقصد بها أول خطوة نخطوها باتجاه تدعيم وتقوية مناعة الطفل من الأمراض ، تبدأ بإرضاعه منذ الولادة رضاعة طبيعية تقتصر على حليب الثدي، وبعد الشهر السادس -بحسب الإستراتيجية المعمول بها عالمياً- تحين مرحلة إضافة مواد غذائية تكميلية، تبدأ لينة، ثم تتدرج في الصلابة مع زيادة عمر الطفل، إلى جانب استمراره في الرضاعة الطبيعية حتى يكمل عامة الثاني، أي لمدة حولين كاملين.
والغذاء الجيد هو الغذاء المتوازن الذي يحتوي على أنواع عديدة من الأغذية ذات الفائدة والنفع للجسم، فكلما كانت متنوعة، كلما كانت قيمتها الغذائية أفضل، كما يجب أن تكون مهروسة ومطبوخة جيداً. وكلما كانت متنوعة كلما كانت قيمتها الغذائية أفضل، كما يجب أن تكون مهروسة ومطبوخة جيداً.
يجب إعطاء الطفل كمية كافية من البروتين اللازم للنمو من مصدر نباتي، مثل «العدس -الفول -الحمص» أو من مصدر حيواني، كالألبان ومنتجاتها والبيض، وكذا اللحوم -إن أمكن -أو لحم الدجاج والسمك مهروسة، إلى جانب الحبوب. وأن يحصل الطفل على الفيتامينات، والأملاح المعدنية اللازمة بإطعامه الخضروات المطهية، والفواكه الطازجة أو عصرها، وعلى الطاقة اللازمة بإطعامه الحبوب المتنوعة المهروسة مع إضافة ملعقة صغيرة من الزيت.
وعلى الأم إطعام طفلها بنفسها وعدم تركه أثناء إعطاء الوجبات وعدم استعمال زجاجة الرضاعة «البزازة» لتغذية الطفل، والالتزام عند إعداد وتقديم الأغذية التكميلية للطفل.
وبالتالي تولد التغذية الجيدة في محتواها من المغذيات الطبيعية اللازمة لصحة ونمو الطفل حالة صحية وتغذوية تنشأ لدى الطفل مقاومة لمختلف الأمراض .. هذه نقطة، النقطة الأخرى، لابد من إلباسه ملابس خاصة حتى يدفأ، تحميه من برودة الشتاء وأجوائه وتياراته الهوائية وتهوية الغرفة ليتنفس هواء نقياً، وألا يتعرض للمخالطين المصابين بنزلات البرد والتهابات الجهاز التنفسي.
إن إصابة الطفل بالسعال ونزلة البرد يفرض رعاية منزلية تجنبه التعرض لالتهابات تنفسية حادة يصعب علاجها، وإلى جانب توفير الراحة والدفء للطفل المريض، لابد أيضاً ، من الاستمرار والإكثار من الرضاعة الطبيعية لما لها من دور في دعم مقاومة الجسم للجراثيم والأمراض، وبالنسبة للأطفال الذين تزيد أعمارهم عن ستة أشهر فلابد من تزويدهم بالسوائل الدافئة بكميات أكثر من المعتاد إلى جانب استمرارهم بالرضاعة الطبيعية والاستمرار في تغذيتهم من خلال إعطائهم الطعام الذي يحبونه بكميات قليلة موزعة على مرات عديدة أكثر من المعتاد. وإعطاؤهم لعدة مرات يومياً مزيجاً أو خليطاً من الشاي الخفيف مع الليمون والعسل، أو مغلي «اليانسون»، أو المرق أو شرب مغلي من الزعتر دافئاً. وكذلك مساعدة الطفل الذي يعاني من انسداد ونزول من الأنف بتنظيف أنفه بانتظام، فهذا يمكنه من التنفس بشكل طبيعي وعلى رضاعته من ثدي أمه.
التدفئة القاتلة
•بعض الوفيات يعزى سببها إلى استخدام وسائل غير آمنه للتدفئة، كالحطب والفحم في المنزل .. ما الذي يلحقه هذا النوع من التدفئة ليخلف الوفاة؟
-التدفئة بإشعال الفحم أو الحطب في الغرف فيه خطورة كبيرة على الحياة، حيث تتصاعد جراءها الغازات السامة، كأول أوكسيد الكربون وثاني أكسيد الكربون، وباستنشاق هذه الغازات بشكل مكثف ينجم عنه الاختناق. يلجأ البعض كثيراً إلى سد النوافذ والأبواب وإشعال موقد التدفئة داخل الغرف والنوم من دون إبقاء منفذ يسمح بخروج الغازات السامة وما يترتب على عملية الاحتراق من جهة والتنفس من جهة أخرى، من استهلاك للأوكسجين والهواء النقي، وبالتالي يستنشقون الغازات السامة بدلاً من الأكسجين ، وللعلم فإن هذه الغازات السامة لا تجعل الإنسان يتنبه ويدرك الخطر الذي هو فيه وبالتدريج كما نشاهد حوادث كثيرة من هذا النوع وقد ذهب ضحيتها أفراد عائلة بأسرها، بعدما تسلك هذه المواد السامة إلى أجسادهم وهم نيام دون أن يستيقظوا، وحصل لهم اختناق تدريجي وفقدوا وعيهم ثم ماتوا جميعاً.
إذن التهوية الجيدة لابد منها فهي ضرورية ولا غنى لنا عنها، والتدفئة الطبيعية بالخشب والفحم يجب ألا تستخدم للتدفئة مطلقاً، ففيها من الخطورة ما قد يكلف المرء حياته وحياة من حوله.
المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي والسكاني بوزارة الصحة العامة والسكان
لقاء/محمد أحمد الدبعي