الحمل المبكر.. ومشاكل خطيرة تهدد الأمهات والمواليد

في - الخميس 06 يونيو 2013

الزواج رابطة متينة مستدامة بين الزوجين، وحتى يكون ناجحا ينبغي أن يلتزم كل من الزوج والزوجة بمسؤولياته تجاه الأخر، وأن يكون قائماً من البداية على التفاهم والتعاون والتقدير المتبادل للنهوض بأعبائه ولبناء أسرة متماسكة وسعيدة. ولسنا بصدد الخوض في مسألة الزواج المبكر، إنما ننصح باختيار السن الأنسب للإنجاب للحد من المخاطر التي تترتب على الحمل في سن مبكرة.

ولا شك أن الحمل والإنجاب وتربية ورعاية الأطفال مراحل مهمة في هذه الحياة ولكلٍ منها أعباء ومتطلبات يلزمها نضوج ومعرفة لتلافي أي عائق من شأنه التأثير سلبا على صحة الإنجاب وسلامة الأم والأطفال الذين تنجبهم. وما من مشكلة في الزواج، إلا إذا كانت الزوجة أساساً صغيرة في السن؛ حيث يشكل الإنجاب هنا عائقاً للمرأة لما له من أضرارٍ جسدية ونفسية على المديين القريب والبعيد. وبطبيعة الحال فأن الفتيات ما بين سن (12-18) عاماً أو ما يسمى بفترة البلوغ التي تشكل حافزاً لبعض الأهالي لتزويج بناتهن، لا تكون فيه الفتيات أساساً مهيآت للحمل وأعباية ومتاعبه. فالحوض وقتها ضيق ولم يتسع بالشكل الطبيعي الذي يهيئها للحمل والولادة، والرحم أيضاً صغير لا يتناسب مع حجم الجنين الذي يكبر يوماً بعد يوم لاسيما في الأشهر الأخيرة للحمل. وهذا يعني بقاءهن عرضة لمخاطر مهددة قد تودي بحياة الأم وجنينها ووليدها، كالنزف الشديد أثناء الولادة وتعسر الولادة وما يترتب على هذا الأمر من ضرورة إجراء توسعة أو عملية قيصرية للأم الوالدة.

وفي حالات كثيرة للحمل المبكر قد يولد الجنين مجهضاً أو غير مكتمل النمو أو يولد بوزن ناقص، بسبب عدم تهيؤ الرحم لصغر سن الأم الحامل، يمكن نتيجة لذلك أن يحدث تمزق وحالات نزف شديد تفُضي إلى وفاة الأم وجنينها. وإذا ما خرج بسلام وكُتبت له الحياة.. مضى إلى مرحلة أخرى من المعاناة لصغر سن الأم وعدم نضجها وما تمليه عليها الأمومة من رعاية مكثفة للمولود؛ وأيضاً لافتقارها للوعي اللازم بهذه المرحلة. فلا تُحسن التصرف -مثلاً- إذا ما ارتفعت درجة حرارة وليدها ولا بكيفية إرضاعه واحتضانه، وقد تفرط في إرضاعه فيصاب بتوعك أو إسهال، أو تُهمل نظافته فيصاب بالتهابات، أو لا تُحسن تدفئته فيصاب بالبرد والالتهابات التنفسية، وإذا ما أعطته أدوية تزيد من الجرعة أو تتخبط في مواعيد وعدد الجرعات ما يعرض حياة طفلها للخطر.

وتذكر دراسة أجريت على أمهات صغار السن أن الأمهات الصغيرات يجدن الطفل عبئاً ثقيلا عليهن وتقل عاطفتهن نحوهم؛ والإرضاع وهن في سن مبكرة ولا يكون مع الأم الصغيرة ثديا مهيئين للإرضاع وإدرار الحليب. فضلاً عن ذلك غور حلمة الثدي، الأمر الذي يدفعا إلى البحث عن مرضعة أخرى أو إعطاء الطفل الرضيع البدائل الأخرى من أنواع الحليب كحليب البقر أو الغنم أو الحليب الصناعي.

وأعود لأؤأكد أن النمو الطبيعي لعظام الإنسان وحاجته للكالسيوم وعناصر أخرى ضرورية للجسم يستمر حتى سن الثامنة عشرة من العمر، وحدوث الحمل في هذه السن أو قبلها يعرض الأم لمتاعب غير محمودة ويحرمها من الانتفاع من الكالسيوم والعناصر الأخرى المهمة لاستكمال نمو عظامها واستكمال نمو عظام الحوض بالشكل الذي يكون متسعاً بما فيه الكفاية ليناسب الحمل والولادة. كذلك من أجل النمو الكامل لعضلات الحوض ومنطقة العجان.

أضف إلى ما ذكرته أن الولادة في سن مبكرة تعرض الأم ووليدها لفقر الدم، وترتفع معها نسبة التعرض لانسمام الحمل (ارتفاع ضغط الدم المرافق للحمل). كل هذه الظروف شكلت وتشكل عوائق وصعوبات أمام الأمهات الصغيرات في السن لدى ممارستهن لأمومتهن، وضغطاً نفسياً وعصبياً يدفع بالكثيرات منهن إلى ممارسة العنف وضرب صغارهن متى تضايقن من تعالي أصواتهم بالبكاء والصراخ. وإذا أخذنا في الاعتبار سهولة الحمل والولادة فإن أنسب فترة للحمل الأول تبدأ من سن العشرين. فإذا تزوجت البنت قبل سن العشرين.. الأجدر بها تأجيل الحمل إلى سن العشرين، ولا يُستحسن تأجيل الحمل الأول إلى ما بعد سن الخامسة والثلاثين، لما للحمل والولادة في مثل هذه السن من خطورة كبيرة مهددة لحياتهن.

نعود إلى موضوعنا الأساسي وهو الحمل المبكر، ومن جملة ما أنصح به في هذا الجانب ضرورة أن تتلقى الأم الحامل رعاية صحية وتداوم على زيارة الطبيب أو الطبيبة بالمرفق الصحي لمتابعة الحمل بدءاً من الشهر الأول للحمل وحتى بعد الولادة بستة أسابيع، وخلالها تُزود الحامل بالنصائح المفيدة المتعلقة بالتغذية واللبس والعمل والرياضة وما يجب أن تتحاشاه وتتجنبه من أعمال ومن أدوية وعقاقير. إذ أن من الخطورة تعاطي أدوية خلال فترة الحمل لاسيما في الأشهر الثلاثة الأولى دون مشورة الطبيب المختص أو الطبيبة لتجنب التبعات الخطيرة جراء تعاطي أدوية تضر بالأم الحامل وبحملها وجنينها ويمكن أن تؤدي إلى حدوث تشوهات خلقية للجنين أو إلى الإجهاض وخلافه. بالتالي يجب على الأم الحامل زيارة الطبيب شهريا في الشهور السبعة الأولى، وبعد ذلك بواقع مرتين شهرياً خلال الشهرين الثامن والتاسع، إلا إذا رأى الطبيب المختص أو الطبيبة خلاف ذلك، تبعاً لاعتبارات معينة كوجود مرض يصاحب الحمل أو مشكلة ما تستدعي رعاية ومتابعة مستمرة بالمرفق الصحي على فترات قصيرة.

في الأخير.. يتوقف اختيار مكان الولادة بالمنزل أو بالمستشفى على ما يراه الطبيب أنسب لحالة الأم الحامل المقبلة على الولادة، وبناءً على الإمكانات المتوفرة، وإن كان الأفضل في كل الأحوال أن تتم الولادة بالمستشفى المعد بما يلزم للولادة بما يحقق أعلى درجات الأمان للأم ووليدها.

د/محمد الدبعي

مواضيع ذات صلة