الحمل يلزمه متابعة ورعاية صحية درءا للتهديدات

في - الخميس 13 يونيو 2013

الحمل مرحلة مهمة في حياة المرأة الحامل وأسرتها، لا يستبعد خلاله تعرضها لعوامل الخطر وإن بدا الحمل مألوفاً لا مشكلة فيه. فمن الصعب التنبؤ سلفاً بحالة كل حمل شاءت الأقدار أن تقود به إلى دروب الخطر والمضاعفات المهددة لصحة وسلامة المرأة وجنينها. لاكن تقليل هذا الاحتمال وارد إذا ما توفرت للحامل رعاية صحية فاعلة وواكبها تنظيم زيارات إلى المرفق الصحي المقدم لخدمات الرعاية الصحية للأمهات والحوامل.

وللحديث حول هذا الموضوع وبعض الجوانب المرتبطة بالحمل والرعاية الصحية للحوامل التقت الصحيفة بالدكتورة/ فاطمة إسماعيل الأكوع -اختصاصية أمراض النساء والولادة... فإلى التفاصيل:-

زيارات المتابعة

•ثمة من لا يرى ضرورة في زيارات الحامل للمرفق الصحي المقدم لخدمات الأمومة وإن بدا الحمل عادياً لا مشكلة فيه؟ ألا تعتبر هذه مسألة عادية؟ وما المغزى عموماً من هذه الزيارات؟

-قطعاً هذا خطأ. فعيادات رعاية الحوامل ما وجدت إلا لخدمة الأم.. لتساعدها من الوهلة الأولى لحملها؛ فلا يجدر بها التأخر في طلب هذه الخدمة الضرورية، وليس عليها أن تخاف أو تقلق. فكلما كانت المراجعة باكرة في أول الحمل وبدايته، كان هذا الأفضل والأسلم لها ولجنينها، وسبيلاً إلى تدارك أي طارئ يطرأ من شأنه التسبب بمشاكل خلال الحمل أو أثناء الولادة. كذلك لاكتشافها المخاطر المرافقة للحمل إن وقعت -لا قدر الله- قبل استفحالها، كي لا تشكل تهديداً للحامل وحملها.

إنه ليكفل تدخلاً مناسباً في الوقت المناسب -أياً كانت المشكلة- طالما لم يكن هناك تأخير في الإحالة إلى المرفق الصحي متى شعرت بمشكلة. كما يساعد أيضاً على تحديد المكان المناسب للولادة بحسب ما تقتضيه الحاجة وظروف الحمل، مع تهيئة الحامل نفسياً وتأمين ما يخفف عنها وطأة الحمل ومتاعبه من خلال تزويدها بالإرشادات السلوكية والعملية والنصائح الغذائية ومدها بخدمة المشورة وما إلى ذلك من فوائد تستشعرها الأم الحريصة على صحتها وسلامتها وعلى سلامة جنينها. ما عليها إلا زيارة المرفق الصحي المُؤمّن لهذه الخدمات واتباع ما يُملى عليها من نصائح وإرشادات من قبل مقدم الخدمة (الطبيب أو الطبيبة).

أغراض المتابعة

•بشيء من التفصيل.. ما الذي يكون في الزيارات المنتظمة للمرفق الصحي؟ وماذا يتعين على الحامل الإدلاء به من معلومات لدى هذه الزيارات؟

-في الزيارة الأولى للحامل وموعدها حال اكتشاف الحمل، لها أن تزود مقدم خدمة الرعاية الصحية (الطبيب أو الطبيبة) بمعلومات حول التاريخ المرضي لعائلتها وحول وضعها الصحي العام وعدد مرات أحمالها السابقة. يلي ذلك مرحلة قياس وزن الحامل وطولها ومستوى ضغط الدم لديها، ثم يطلب منها إجراء عددٍ من الفحوص المخبرية اللازمة، كفحص خضاب الدم (الهيموجلوبين) للكشف عن فقر الدم، وفحص عام للبول وسكر الدم وفحص زمرة فصيلة الدم (RH). وأيضاً تُبين ما إذا كانت مصابة بداء القطط من خلال فحص الدم بالمختبر. ولن يكون الاكتفاء بهذا فحسب خلال هذه الزيارة. فهناك المشورة والتثقيف الصحي وتقييم الحالة الصحية للأم، مع تقييم وضع الحمل ما إذا كان عادياً أو فيه مشكلة، وتقديم التدابير العلاجية الملائمة.

ويُفضل أن تنظم الأم زياراتها للمرفق الصحي لتكون بداية بمعدل زيارة واحدة في الشهر خلال الأشهر الأولى للحمل، حتى إن بدا حملها طبيعياً لا مشكلة فيه. ومع نهاية الأسبوع الثامن والعشرين (الشهر السابع) يتعين عليها الإكثار من الزيارات، بمعدل زيارة واحدة كل أسبوعين. وبدخول الحمل شهره التاسع تكون الزيارات أسبوعية إلى أن يحين موعد الولادة. علاوة على ذلك يمكن تقريب مواعيد الزيارات عملاً بتوصيات الطبيب أو الطبيبة وتبعاً للحالة الصحية للحامل -لتتاح للحمل مراقبة أفضل، وكذا لسؤال الحامل عن أي طارئ أو شكوى. وخلال كل زيارة في هذه المرحلة تقوم مقدمة الخدمة بمتابعة حالة الأم الحامل، هذا إلى جانب وزن الحامل وقياس الضغط لاكتشاف حالات ارتفاع ضغط الدم المبكر، وطلب عمل مجموعة من الفحوصات الطبية للحامل في المختبر.

كما تقوم مقدمة الخدمة خلال الزيارات بسماع دقات قلب الجنين، وقياس ارتفاع الرحم عن الحوض عبر الأشعة التلفزيونية، وفحص القدمين لاكتشاف تورم القدمين ودوالي الساقين (انتفاخ وتوسع الأوردة) وبوصف حبوب الحديد مع (الفوليك أسيد) والكالسيوم للوقاية من فقر الدم لمن يعانين هذه المشكلة أو المعرضات لها. وقُبيل انتهاء كل زيارة تحدد بدورها موعداً للزيارة القادمة.

فحوصات ضرورية

•بعض الأمهات الحوامل يطلب إليهن عمل فحوصات طبية كثيرة.. فلماذا كل هذا الإلحاح على الفحوصات، على غير العادة؟

-كل الفحوصات التي تُطلب من الحامل -كثرت أو قلت- هي في صالحها ولصالح حملها، حيث أن من جملة الفحوصات المخبرية الروتينة المطلوبة أثناء الحمل، فحص فصيلة الدم وعمل (رسيس) الذي يشكل وجوده خطراً على حياة الأجنة والمواليد. وسببه في واقع الأمر أن الزمرة (RH) سالبة في فصيلة دم الزوجة، يقابلها زمرة موجبة لفصيلة دم الزوج، وهو فحص ضروري جداً يكفل التدخل المناسب في الوقت المناسب، للحد من وفيات المواليد. وهناك فحص البول العام للكشف عن وجود زلال البول والبروتين، أو التهابات المسالك البولية أو سكر البول.

بالتالي لا بد من عمل مزرعة للبول عند ظهور الالتهابات بناءً على نتيجة فحص البول العام، وذلك لتحديد نوع الجراثيم المسببة للالتهاب وما يلائمها لعلاجها بعد ذلك من مضادات حيوية. ومن الفحوصات الأخرى، قياس سكر الدم إذا لزم الأمر أو إذا ما تبين وجوده في البول سلفاً من خلال الفحص العام للبول بحيث يجرى للحامل على الريق وهي صائمة. ويتعين إذا كان الحمل عنقودياً التصوير بالأشعة التلفزيونية، وهو أيضاً مفيد في فترة متقدمة من الحمل للإطمئنان على صحة ووضع الجنين. كما أن هناك فحوصات مخبرية إضافية يحددها الطبيب المختص أو الطبيبة بحسب الحالة، كالشك في وجود حمل عنقودي أو لزيادة السائل الأمينوسي حول الجنين... الخ.

علامات خطورة

•هناك من يجهلن علامات الخطر المصاحبة للحمل.. فما هذه العلامات؟

-على الأم الحامل لزاماً- أن تكون على علمٍ بالعلامات المنذرة بالخطر أثناء الحمل التي تستوجب النقل فوراً إلى المرفق الصحي، حيث تفيد الإحصاءات أن معدل وفيات الأمهات الناجمة عن مخاطر ومضاعفات الحمل والولادة في بلادنا تصل إلى (366) حالة ولادة حية، مشكلةً بذلك نسبة (42بالمائة)، من أسباب وفيات الأمهات في سن الإنجاب وهذه العلامات هي:
-نزول دم مهبلي ولو بسيط خلال الحمل مؤلم أو غير مؤلم مهما كانت كميته.
-تقيؤ مستمر وشديد.
-ألم شديد في البطن.
-صداع شديد.
-زغللة النظر، وطنين في الأذن.
-حدوث تشنجات.
-تورم القدمين واليدين والوجه.
-حدوث إفرازات مهبلية غزيرة ذات لون غير طبيعي ورائحة كريهة أو وجود حكة.
-انعدام الإحساس بحركة الجنين خلال الحمل بدءاً من الشهر الخامس.

حالات استثنائية

•كيف لنا تمييز الحالات التي تستدعي رعاية صحية من نوع خاص وزيارات أكثر إلى المرفق الصحي لمتابعة الحمل؟

-لعل ما يستدعي اهتماماً أكبر ويفرض بالضرورة مراجعة المرأة الحامل للمرفق الصحي بشكل أكثر -على غير العادة- لما تتطلبه من مراقبة للحمل عن كثب على فترات قصيرة، ومشورة وإرشادات صحية من نوعٍ معين ، هو أيٍ من هذه الحالات:
-الحمل المبكر في سن أقل من عشرين عاماً.
-الحمل بعد سن الخامسة والثلاثين.
-وجود مرض مزمن مع الحمل، مثل (ارتفاع ضغط الدم- السكر- فقر الدم- الصرع- أمراض القلب- أمراض الكلى)، أو أية أمراض مزمنة أخرى.
-حمل التوأم.
-الإحساس بوضعية غير طبيعية للحمل أو الجنين.
-عندما تكون الولادات السابقة أكثر من أربع ولادات.
-الإجهاض المتكرر لأكثر من مرة.
-الإصابة بانسمام الحمل (ارتفاع ضغط الدم المصاحب للحمل).
-ولادة طفل ميت في السابق.
-ولادة سابقة بعملية قيصرية.
-الولادة المبكرة قبل اكتمال مدة الحمل.
-إصابة الحامل بنزف أثناء حمل سابق أو بعد ولادة سابقة.
-إنجاب أطفال دون الوزن الطبيعي، أي أقل من (2.5 كجم)، أو ذوي أحجامٍ كبيرة (أكثر من 4 كجم).
-التطعيم خلال الحمل.

•ننتقل بالحديث إلى مسألة تحصين الحامل ضد مرض الكزاز.. لماذا الحوامل بالذات يستهدفن بالتطعيم ضد هذا المرض؟ وماذا لو أُجلت جرعة اللقاح إلى فترة لاحقة بعد الولادة؟

-لابد من أن تحرص الأم على هذه المسألة كحرصها على حملها، وأن تحصل على كامل الجرعات في مواعيدها المقررة، أي على خمس جرعات، بما يؤمن لها وقاية وحماية مدى الحياة. حيث لا تُعطى جميع هذه الجرعات وهي حامل، وإنما جرعة تُعطاها الحامل خلال الحمل لحمايتها تماماً، وكذا لحماية وليدها بصفة مؤقتة من لحظة ولادته وحتى الأسبوع السادس من عمره. وعليها الوثوق بهذا اللقاح وفاعليته وبأنه يؤمن وقاية لها ولوليدها وليس له مضاعفات أو آثار جانبية.

عموماً تتوزع مواعيد هذه الجرعات كالتالي:
-الجرعة الأولى: تُعطى للفتاة في سن الإنجاب وبالإمكان إعطاؤها للمرأة الحامل أو غير الحامل كجرعة أولى.
-الجرعة الثانية: يتم تلقيها بعد شهر من الجرعة الأولى، وتُعطي حماية من المرض لمدة ثلاث سنوات.
-الجرعة الثالثة: تُعطى بعد ستة أشهر من موعد تلقي الجرعة الثانية، وتتيح حماية من المرض لخمس سنوات.
-الجرعة الرابعة: تُعطى بعد سنة من تلقي الجرعة الثالثة (أو خلال الحمل المتعاقب) متيحةً حماية تصل إلى عشر سنوات.
-الجرعة الخامسة: موعدها بعد سنة من تلقي الجرعة الرابعة أو خلال الحمل المتعاقب، وتُعطي حماية دائمة ومستمرة، مدى الحياة.

نظام التغذية

•ماذا يفترض بالمرأة الحامل أن تتناول من أغذية مفيدة لها ولحملها؟ وكيف يجدر بها تنظيم وجباتها على النحوٍ الذي يخف ويقلل من متاعب الحمل؟

-ننصح الحامل التي لا تشكو من أعراض مرضية مصاحبة للحمل أن تحتوي وجباتها اليومية على العناصر اللازمة لصحتها وصحة جنينها والتي توجد في اللحم الأحمر والدجاج ، مع الخضروات والفواكه ، شرط عدم الإفراط ، لأن التخمة -بالإكثار من تناول الطعام- تضر بالأم والجنين. وعلى خلاف ما يعتقده البعض من الناس ، فإن الكثير من الأطباء ينصحون الحامل بالإكثار من تناول التمر في طعامها ، لاحتوائه على العديد من المعادن المهمة لبناء الجسم وتركيب أنسجته ، مثل (البوتاسيوم- الصوديوم- الكالسيوم- الماغنسيوم- الزنك- المنجنيز). علاوة على احتوائه على نسبة من البروتينات والدهون وأهم هذه الفيتامينات (أ- ب2- ب12). كذلك يحتوي التمر على مواد سكرية تبلغ نسبتها (70بالمائة) من النوع الذي يسهل هضمه ويستفيد منه الجسم بشكل سريع؛ ولأن السكريات في التمر بسيطة وسهلة الاحتراق في الجسم ، فإنها تولد طاقة عالية لا تكلف الجسم عناءً أو مشقة في التحويل والهضم والتمثيل الغذائي.

وعلى المرأة الحامل عدم الاكتفاء فقط بوجبتين أو ثلاث وجبات ، بل يجب أن تتناول وجبات إضافية أخرى على دفعات صغيرة تحتوي على البروتينات والأملاح والمعادن والأغذية الضرورية. وأن تتألف وجباتها أيضاً من البيض والجبن واللبن والزبادي وبعض الفاكهة. كما يفضل تناولها لكميات كبيرة من السوائل ، لتعويض ما يفقده الجسم منها. وننوه كذلك إلى أهمية تناول المرأة الحامل للفيتامينات والأملاح الضرورية ، وكذا حمض (الفوليك) المهم جداً حصولها عليه أثناء الحمل لبناء الجهاز العصبي للجنين ، ولأنه أيضاً يساعد على التقليل من الإصابة بعيوب الجهاز العصبي الخلقية. وأبرز وأهم المصادر الطبيعية الجيدة والغنية بحمض الفوليك والفيتامينات (الفواكه- الخضراوات- عصير البرتقال- الأرز). وتحتاج الأم الحامل أيضاً إلى كمية كبيرة من الحديد في غذائها ، ولها أن تحصل عليه من الخضراوات (كالسبانخ-السلطة) ومن الفواكه مثل (الفراولة-التفاح) ، وكذا من اللحوم (كالكبد-اللحم). وأكدت على أهمية تناولها لوجبة خفيفة بين الوجبات ، مثل (السندوتش) وبعض الفواكه والقليل من التمر. إلى ذلك يجب على الحوامل تجنب المنبهات ، كالشاي والقهوة ، وعدم الإكثار من الملح ، والامتناع عن الأطعمة المقلية والمشروبات الغازية والبهارات الحارة ، كالفلفل والكمون (البسباس). نظراً لما يجلبه للحمل من متاعب وعوارض ، ثم بعد ذلك لزيادة حجم الجنين وتوسع الرحم المثقل بالحمل ، من الشهر السادس وحتى التاسع ، ولزيادة الضغط على المعدة والأمعاء والمرارة والكبد وما يترتب على هذا من زيادة الحموضة وصعوبة هضم الطعام ، فلابد من أن تتناول الأم الحامل أغذية سهلة الهضم خاصة في أشهر الحمل الأولى ، لأن لمرحلة الوحم خصوصية معها تتأثر المعدة نتيجة ارتفاع هرمون الحمل ، فتزداد القابلية للغثيان والتقيؤ.

كما أنصح بأن تكون وجباتها موزعة على عدة وجبات صغيرة أو دفعات وخالية من الدسم قدر ما أمكن. إذ أن كثيراً من النساء الحوامل يمررن بأوضاع من هذا القبيل ، ومع أنها طبيعية في الأصل ، إلا أنها مرهقة ومنهكة لهن لا سيما في الأشهر الثلاثة الأولى للحمل، كوضع التقيؤ الشديد الذي لا يبقي على غذاءٍ في المعدة.

ختاما.. أتوجه بالنصح إلى الزوج بأن يمتثل لأوامر ديننا الحنيف وهدي خاتم الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا يحرم زوجته أو يمنعها من حقها في زيارات متابعة الحمل لما فيه من مصلحة لها ولجنينها. حيث قال فيما روي عن عبد الله بن عمر: «استوصوا بالنساء خيراً» متفق عليه... وقوله أيضاً في رواية لعبد الله بن عمرو بن العاص: «.. وإن لزوجك عليك حقاً وأن لولدك عليك حقاً، فآتِ كل ذي حقٍ حقا» متفق عليه...

لقاء/ زكي الذبحاني

مواضيع ذات صلة