في اليوم العالمي للسكان

في - الأحد 14 يوليو 2013

لكي لا نصبح مجرد كائنات تعيش لتأكل فقط وتتحرك وفقاً لغريزة البقاء وتمسي منبطحة لإشباع تلك الغريزة دون التخطيط لليوم التالي علينا أن نقف عند لغة الأرقام المخيفة ونلج الى تفاصيلها لندرك أبعادها ودلالاتها المختلفة وارتباطاتها بالمتغيرات الأخرى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وحتى المناخية.

من هنا فقط تصبح قراءة الأرقام وتحليلها وإبرازها في المناسبات والأيام الوطنية والعالمية هي الخطوة الأولى نحو التوعية الشاملة والمستمرة بأهمية قضايانا العامة بما فيها المشكلة السكانية وتبعاتها وضمن استراتجية شاملة ومنضمة متكاملة من السياسات ذات الجدوى تضع الحلول الشامله والمتكاملة والناجحة لها، بعيداً عن الحلول الجزئية والترقيع وتتلازم مع توعية إعلامية مستديمة تحدد المشكلة وتدرجها ضمن اهتماماتها الدائمة وليس مجرد وظيفة تؤدى وحسب في المناسبات وحشد أصوات تتبارى لتشخيص قضية واضحة سبق تشخيصها كقضية السكان.

في اليوم العالمي للسكان يصبح للأرقام وحدها السبق في التشخيص وهي اللغة الأقوى في مناخ مجيد للغة الإنشاء وتزويق الجمل البلاغية وينشغل بسياسة القيل والقال في المقايل وينسى أن الأرقام تتضاعف والمشكلة تتفاقم ويصر البعض على أن كل شيء تمام.. بمناسبة اليوم العالمي للسكان نشترك بالحديث حول الوضع السكاني من خلال أبرز الأرقام في محاولة لدفع القارئ للمقارنة والاستنتاج بما قد تصير إليه الأمور مستقبلاً اذ لم تعد زيادة السكان كعامل إيجابي يستقيم مع تناقص الموارد وتآكل الخدمات، وفي ظروف كهذه اذا ما بقيت الأمور خارج السيطرة وبلا كوابح.. مع أسفنا بالقول بخطورة المشكلة السكانية في بلد متعدد الموارد الاقتصادية والبشرية غير المستغلة الاستغلال الأمثل..و......وخذوا نفساً طويلاً وتابعوا التالي:

أرقام

كيف يبدو الوضع السكاني في اليمن في اليوم العالمي للسكان، وفي ظل الأرقام والمتغيرات المختلفة.. تشير الأرقام يا سادة يا كرام الى ان نسبة النمو السكاني في اليمن من أعلى المعدلات العالمية، حيث تصل الى 3.5بالمائة سنوياً حسب الاحصاءات الأخيرة لعام 2004م ولأن نسبة الخصوبة عالية عند المرأة اليمنية وأن حوالي 50بالمائة من السكان دون سن الـ15 وهم من الأطفال و 46بالمائة من السكان بين سن 16-64 (مجتمع يافع وشاب) كما يقدر متوسط حجم الأسرة بين (7-9) افراد ما يعني ارتفاع نسبة الإعالة بمعنى تحمل أعباء حجم الإنفاق على كاهل رب الأسرة المنفق على الأسرة (لأنهم من الأطفال والنساء) وكيف يستقيم الحال مع بروز المؤشرات الأخرى كارتفاع معدلات البطالة وانخفاض فرص العمل وغيرها من المؤشرات وبخاصة في الأرياف التي تقدر نسبة السكان فيها بحوالي 76بالمائة من سكان اليمن حسب إحصاء 94م.. ولقد أصبح الريف اليمني في السنوات الأخيرة طارداً للسكان لأسباب مختلفة أبرزها متغيرات المناخ وتناقص معدلات سقوط المطر الموسمي المصدر الرئيس للزراعة ويعزى ذلك لارتفاع حرارة الأرض هذه مجرد نماذج من الأرقام المخيفة وهناك أرقام سكانية متداولة ومعروفة تبرز أوضاع مجتمعنا اليمني والمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يمر بها كأي مجتمع مر بمرحلة انتقال من مجتمع تقليدي الى مجتمع حديث -إن جاز التوصيف- على أن تلك الأرقام بما تعكسه من انتشار للفقر وتزايد معدلاته وكذا انخفاض معدل الدخل الى أقل من دولارين في اليوم يشمل أيضاً غياب أبسط الخدمات الأساسية كالرعاية الصحية والتعليم و... الخ..

دلالات

الخوف أن تتفاقم المشكلة السكانية -ولاتثبت على هذا الوضع- وتتضافر مع بقية العوامل الأخرى في ظل أوضاع سياسية واقتصادية هشة لتدخل دائرة مغلقة ليس منها فكاك حيث يصبح الخروج منها شبه مستحيلاً على المدى المنظور اذا ما اقرينا بالعلاقات بين: زيادة السكان وتناقص الموارد الاقتصادية ، تفاقم الأزمات وصعوبة الخروج من دوائرها ومن تبعاتها المختلفة: فقر، بطالة.. الخ وإذا ما عرفنا بأن تخفيض نسبة النمو يبدو صعباً بين ليلة وضحاها ويحتاج لجرعات قوية من التوعية الذكية ومستمرة للوعي بخطورة المشكلة وهذا لن يتأتي الا بإحساس المعنيين انفسهم بخطورة المشكلة فالتوعية الإعلامية الذكية غير الرتيبة تبين بوضوح حقيقة الوضع ودلالاته وتدفع البسطاء للتفكير ملياً بأن الولد بعد الولد في غياب القرش فوق القرش ينبئ بانفجار المشكلة على الجميع وبأن المشكلة ليست خاصة بل عامة ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً بتناقص الموارد الاقتصادية وتدهور الخدمات العامة كالصحة والتعليم والعجز في الطاقة الكهربائية وارتفاع معدلات الأسعار العالمية وانعكاسها السلبية على اوضاعنا المحليه وشبح الأزمة السياسية ما يزال قائما.

واذا ما عرفنا ان اليمن من البلدان التي تعتمد كثيراً على الخارج في معظم احتياجاتها الأساسية فهي لذلك اكثر تأثرا من غيرها بالمتغيرات الاقتصادية والسياسية العالمية بما في ذلك المتغيرات المناخية التي أثرت وستؤثر على معدلات سقوط المطر الموسمي في اليمن الذي يعتمد على الزراعة المطرية فضلاً عن أن بلادنا من اكثر البلاد فقراً بالمياه لأنها لاتقبع على نهر جار فضلاعن ان ابناءها أجروا عميلة قيصرية لاستنزاف المخزون الاستراتيجي للمياه الجوفية وقد بدأت مبكراً مشكلة المياه تبرز كقضية عامة في اليمن نظراً لإهدار 70بالمائة من ذلك المخزون الاستراتيجي لري القات خلال العقود الماضية حسب الاحصاءات.

وماذا بعد

وماذا بعد من خطورة الأرقام، أهي للاستعراض في المناسبات ولفت الأنظار وحسب ام ان لها دلالات وتحتاج للعمل الدؤوب والبحث عن المزيد من المعلومات لتشكيل قاعدة للبيانات وربطها بالمتغيرات؟! لأن إبراز الأرقام في اليوم العالمي للسكان وربطها ببعضها وبالمتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية ليس من قبيل التهويل والنظر لنصف الكأس الفارغة بل من قبيل الحرص والتنبيه بخطورة المشكلة السكانية وارتباطها مع القضايا الأخرى وتعني أيضاً ضرورة ربط الأحزمة وعدم ترك الحبل على الغارب ووضع الحلول الاستراتيجية لتفادي الجوع الكافر اكثر ومن النزول للشارع..! وحتى لا نصبح مجرد كائنات تعيش لتأكل وتمسي منبطحة لإشباع غريزة البقاء دون التفكير بالغد، أوحتى لا يصبح الحديث عن قضايانا مناسباتي وننام بانتهاء الحدث، علينا أن نقف طويلاً عند لغة الأرقام والولوج لتفاصيلها لإدراك دلالاتها وارتباطاتها بالمتغيرات والقضايا الأخرى حيث لا شيطان يكمن في تفاصيلها.

من هنا ستصبح قراءة الأرقام وتحليلها سهلة وابرازها واستمرار التوعية بخطورة المشكلة السكانية ضمن منظومة متكاملة من السياسات والإجراءات المتلازمة والمشجعة لتنظيم النسل لتمسي مهمة أسرية وقضية مجتمعية وطنية تهم الجميع كنهج جماعي يدل على إحساس ووعي وطني عام بالمشكلة تدفع الجميع للعمل الدؤوب افراداً وجماعات دولة ومؤسسات لاجتراح الحلول.

عبدالرحمن محمد طاهر

مواضيع ذات صلة