استطلاعات الرأي العام ودورها في تحقيق مؤشرات التنمية المُستدامة

في - الخميس 04 مايو 2023

إنَّ التنمية هي العمليات التي بمقتضاها يتم توجيه كل الجهود سواء للأفراد أو الحكومات والتي تهدف إلى تحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمعات المحلية وذلك بهدف مساعدتها على الاندماج في حياة الأمم والإسهام في تقدمها بأفضل ما يمكن، وقد أظهرت مختلف الدراسات المنجزة  ضعف استجابة النظم الإحصائية الوطنية لمتابعة قياس تنفيذ أهداف التنمية المستدامة وتقييمها، وكذا وجود فجوة كبيرة بين الإنتاج الإحصائي المتوفر والحاجيات الجديدة والمتزايدة من المؤشرات، بالإضافة إلى حاجة الأجهزة الإحصائية المتأكدة إلى التحديث والدعم، ويتجلى ذلك بالأساس في النسبة المنخفضة في توفير بيانات ومؤشرات التنمية عموما والتنمية المستدامة خصوصا، بالإضافة إلى ذلك كله لم يستطع عدد كبير من الدول ومنها بلدان عربية إلى غاية هذا التاريخ من الإبلاغ الطوعي عن حالة مؤشرات التنمية المستدامة في مجتمعاتها.

وتبدي الحكومات والمجتمعات المدنية اليوم حرصاً شديدا لتكون قادرة على تتبع أهداف التنمية البشرية والمستدامة مع مرور الوقت، وذلك من أجل تقييم التقدم الذي أحرزته وترتيب الأولويات وتحديد نقاط الضعف في التنفيذ والبقاء على المسار الصحيح نحو تحقيق هذه الأهداف، وإنه من الأهمية بمكان أن تبدأ الدول في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة وذلك باستخدام البيانات ذات الصلة المتوفرة إلى الآن، كما ينبغي أن تكون هذه البيانات متاحة ومفهومة للخبراء والمسؤولين.

ورغم الجهود المبذولة في هذا الإطار التي ترجمت إلى خطوات عملية من أدلة ومناهج ودعم للقدرات الوطنية من قبل المنظمات الدولية والإقليمية، إلا أنه لا تزال هناك حاجة ماسة لبذل جهود إضافية في هذه المجالات بحيث تكون موجهة حسب حاجة الدول والمناطق على غرار المنطقة العربية والتي تشهد صراعات وحروب وتغيرات جذرية على المستويات السياسية والاجتماعية والأمنية ومثال ذلك ما هو حاصل في الجمهورية اليمنية، وحيث وقد شهدت المنظومات الإحصائية لبعض الدول نتيجة ذلك تعطلا كاملا أو جزئيا وفي أحسن الحالات نقصا فادحا في السلاسل الزمنية للعديد من المؤشرات، وبالنسبة للدول التي تشهد استقرارا في إنتاجها الإحصائي، فهناك نقص واضح في المؤشرات الاقتصادية والبيئية والخاصة بالحوكمة والأمن والسلم ومقاومة الفساد, ولتجاوز هذه الإشكاليات والنقائص يجب علينا التفكير بالبدائل ومن هذه البدائل استخدام استقصاءات الرأي العام في تغطية جزء من هذه المؤشرات بل وتقييم مدى السير في تحقيق وفعالية الإجراءات المتعلقة بالتنمية بمختلف أنواعها سواء كانت تنمية اقتصادية أو بيئية أو اجتماعية.

ونظراً لتشعب قضايا التنمية ومنها أبعاد التنمية المستدامة والتي تتميز بتداخلها وتعدد مصادر المعلومات عن مؤشراتها ومنتجيها، حيث يتطلب بناء وإعداد التقرير والاستعراض الوطني عن مدى تحقق التنمية عدداً من التصورات للحصول على معلومات أكثر حول مؤشرات التنمية المستدامة ومن هذه المنهجيات استخدام منهجية استطلاعات الرأي العام، حيث عرفت العقود الأخيرة تطورات وتحولات عالمية متسارعة شملت كافة المجالات مما أدى إلى تعاظم أهمية البحث العلمي في مختلف الميادين ومنها استطلاعات الرأي العام وقياس توجهاتها وذلك نظرا لما يكتسبه من أهمية بالغة في مختلف القضايا والمجالات التي باتت تؤثر بشكل كبير على صياغة التحولات العالمية بمختلف توجهاتها.

ومن هذا المنطلق، يهدف هذا المقال إلى مناقشة إمكانية وتوفير مساندة فنية للأجهزة الحكومية تعزز من استجابتها وقدراتها على رصد التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة وقياس مؤشراتها.

لذا لا بد في هذا المجال للتذكير بأهمية استقصاءات الرأي العام في المجال الإحصائي وضرورة الاهتمام بهذا العلم والحث عليها وولوج هذا المجال الرحب في اليمن، حيث ونحن اليوم في أحوج ما يكون لقاعدةٍ قويةٍ لقياس الرأي العام مبنيةٍ على الأسس العلمية الصحيحة وخصوصا مع توقف أغلب المسوح الإحصائية الدورية والتي كانت تُغطي جزءا كبيرا من البيانات والمؤشرات المتعلقة بالتنمية.

كما أنه لاشك أن استطلاعات الرأي العام تُمثل أداة أساسية من الأساسيات التي تعتمد على علم الإحصاء، حيث أنه يتم تطبيق قواعد الإحصاء وخصوصا قضايا العينة وكتابة التقارير ونشر النتائج، وتُعد قياسات الرأي العام أحد أهم الجوانب التطبيقية لعلم الإحصاء والتي أخذت صدىً عالمياً وقد أصبحت في يومنا هذا لغةً عالميةً يمتلكها الجميع وتستفيد منها البشرية جمعاء، ونحن هنا لا نبالغ في وصفها باللغة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان كبيرة إذ إن قصدنا هنا هو لغة الأرقام والتي هي أبلغ من كل الكلمات وأدق من جميع العبارات والتي يمكن أن تصف حالةً ما أو أن تفسر مشكلةً معينة.

ومن هذا المنطلق فقد قام الجهاز المركزي للإحصاء في اليمن خلال عام 2013 بتقديم تصور أولي لإنشاء مركز وطني لاستقصاءات الرأي العام وعلى أن يتبع الجهاز المركزي للإحصاء في الجمهورية اليمنية وذلك بهدف قياس واستطلاعات الرأي العام في مختلف القضايا التنموية وأن يكون ذا استقلال مالي وتمويل ذاتي ويكون له مجلس أمناء وبما يضمن حياديته ومنهيته ويقدم خدماته للقطاعين الحكومي والخاص ويتعاون مع الجهات الأكاديمية والمراكز المشابهة عالمياً، وعلى أن تتم الاستفادة من استطلاعات وقياسات الرأي في قضايا التنمية عموما وخاصة التنمية المجتمعية والمستدامة والاستفادة من شبكات التواصل الاجتماعي عبر (الانترنت، الهاتف، الجوال) أو ما يعرف (باستطلاع الرأي العام الإلكتروني) في إجراء استطلاعات الرأي العام ولكنه للأسف توقف بسبب الحرب في اليمن والتي بدأت في العام 2014.

حيث لُوحظ أن غالبية الإحصائيين إن لم يكن معظمهم لايهتمون بالدرجة الأساس بالجوانب النظرية لمجال عملهم أكثر من اهتمامهم بالجوانب التطبيقية، وعلى الرغم من أن الجانب النظري يعد الأساس الأول والفيصل في تحديد درجة دقة أي عمل بحثي إلا أننا دوماً نؤكد على أهمية الجوانب التطبيقية والتي لا تخفى على الجميع مدى أهميتها وكذلك تأثيرها المباشر على تطوير العلوم المختلفة.

إعداد: د. طارق يحيى الكبسي. خبير التخطيط الاستراتيجي والإحصائي في الجمهورية اليمنية

مواضيع ذات صلة