تعريف الفقر والغنى وقياسه

في - الأحد 01 أكتوبر 2006

عادة ما يعرف الفقر على انه عدم كفاية الدخل ولكن الفقر يعرف في اشكال وصور تتجاوز عدم كفاية الدخل وكما ورد في باب محاربة الفقر في تقرير التنمية 2000-2001م يتمثل الفقر الى حد كبير في انعدام الفرص بسبب عدم كفاية التعليم والتغذية، وضعف الحالة الصحية، وقصور التدريب او بسبب عدم القدرة على العثور على عمل يجزي الجزاء الاوفى القدرات الموجودة لدى الشخص.

كما ان الفقر يتمثل ايضا في الضعف (بسبب عدم كفاية الاصول) امام الصدمات الاقتصادية المفاجئة الواسعة المدى، او حتى الصدمات الفردية كأن يفقد العامل البسيط قدرته على كسب قوت يومه كذلك، يعتبر الفقر انعدام القدرة على تغيير القوى الاقتصادية والاجتماعية التي تعمل على استمرار حالة الضعف امام الصدمات.

ولايزال انخفاض الدخل او الانفاق، يرتبط في الغالب ارتباطا وثيقا بهذه الخصائص، ومن ثم فهو يعتبر معيارا سليما لتحديد طبيعة الفقر ومداه.

حددت أهداف الألفيه الخاصة باليمنوالمرتبطة بصحة الام والذي تتمثل بخفض وفيات الأمهات الى 90 حالة وفاة لكل مائة ألف ولادة حية بحلول عام 2015م إذ تمثل الآن (حسب تقرير صحة الأسرة لعام 2003م) حوالي 366 حالة وفاة لكل مائة ألف ولادة حية هدف هام وتحد جاد أمام كل القطاعات الصحية والتخطيطية وراسمي السياسات السكانية.

ولتحقيق هذا الهدف يعني العمل الجاد والموجه نحو تحسين صحة الأمهات وتوفير الوسائل والسبل والتي تحقق ذلك. وهناك عوامل عديدة تؤثر في صحة وسلامة الأمهات وتجعل من الوفيات والمراضة عالية في اليمن، وهي ليست فقط عوامل ومؤثرات صحية بل عوامل اجتماعية واقتصادية تتمثل أولاً في ارتفاع نسبة الفقر وارتفاع نسبة الأمية وخاصة بين النساء مع تدني في البنية التحتية الأساسية للسكان والمتمثلة خاصة في خدمات مياه الشرب والصرف الصحي والمواصلات المناسبة.

وأرتبطة كل هذه الأوضاع مع ارتفاع معدلات الخصوبة ضعف مكانة المرأة في الأسرة والمجتمع. وفي الإطار الصحي سنجد أن خدمات الأمومة مازالت محدودة كماً ونوعاً وخاصة في الريف وللفقراء وحتى المتوفر منها فإن الاستخدام منخفض نتيجة لضعف النوعية والجهل بأهميتها.

وتركز الورقة على ان الفقر يمكن تعريفه بوصفه حالة من الحرمان من المزايا او الركائز الاقتصادية والاجتماعية والبشرية وتشمل الاصول الاقتصادية والمادية والارض والماشية والسكن والمهارات والصحة الجيدة والعمل وغيرها من العناصر المادية التي توفر قاعدة لتوليد الدخل والانتاج سواء في الحاضر او في المستقبل اما الركائز البشرية فتشمل المهارات والمواهب. وعليه فان قدرة الافراد على مكافحة الفقر يمكن ان تزداد عن طريق التعليم والتدريب اللذان يتيحان المزيد من الفرص.

اما الافراد الذين ينقصهم التعليم الرسمي فلديهم مهارات اخرى مثل المعارف التقليدية وغيرها من المهارات البدنية والعقلية التي يمكن توظيفها في مكافحة الفقر فقدرة الافراد على مد العلاقات مع غيرهم بناء على الثقة وهي ركيزة اجتماعية، حيث يلجأ الافراد على سبيل المثال الى الاقتراض لتغطية احتياجاتهم المباشرة كالغذاء والدواء من ناحية اخرى تشترك النساء في المناطق الفقيرة في الطهو ورعاية الاطفال ومن ثم فان مثل هذه العلاقات القائمة على الثقة يمكن ان تكون اساسا لنوع من التنظيم الاجتماعي من اجل عمل اجتماعي وسياسي مشترك ومن ناحية اخرى فان كل هذه الركائز متصلة بعضها البعض فالركائز الاجتماعية يمكن ان تساهم في خلق ركائز اقتصادية فتضامن المجتمعات المحلية وتودي الى عمل سياسي مشترك مثل المطالبة بتحسين المدارس ومن ثم تساهم في تحسين الظروف الاقتصادية عن طريق زيادة فرص العمل، من ناحية اخرى يوظف الافراد والاسر والمجتمعات ركائزهم من اجل صياغة استراتيجيات لمكافحة الفقر. وكلما ازدادت هذه الركائز تراجع ضعفهم وارتفعت قدرتهم على التعامل مع مشاكل الفقر ولكن تأكل مثل هذه الركائز وتؤدي الى وقوع هؤلاء الافراد فريسة لمشاكل الفقر وعليه فان دعم ركائز قوة الفقراء وتوظيفها يساعدهم على مكافحة الفقر بانفسهم.

تتعلق اكثر مقاييس الفقر انتشارا باولئك الذين يعيشون في فقر مطلق ويتواجد هذا النوع عندما يتصف فرد او عائلة بصفة او اكثر تقع اسفل ما هو محدد لها من مستوى كخط للفقر ويكون هذا الخط ثابتا بالوحدات الحقيقية عبر الزمن بحيث يمكن اعتبار الناس الواقعين اسفل هذا الخط فقراء وعلى ذلك يمكن تعريف الفقر بانه عدم القدرة على الوصول الى حد ادنى من الاحتياجات الاساسية وقد عرفت الاحتياجات الاساسية بانها تشمل على حاجات مادية كالطعام والسكن والملابس والمياه النقية ووسائل التعليم والصحة وحاجات غير مادية مثل حق المشاركة والحرية الانسانية والعدالة الاجتماعية ويعتبر متوسط نصيب الفرد من دخل الاسرة او انفاقها مقياسين ملائمين للدلالة على مستوى المعيشة.

ومع ذلك فان ايا من هذين المقياسين لايعطي ابعادا مثل الثروة والصحة والعمر المتوقع، ومعرفة القراءة والكتابة والوصول الى سلع وخدمات النفع العام. ولذلك فقد قدم تقرير التنمية البشرية الصادر عام 1997م عن برنامج الامم المتحدة مؤشرا لايرتكز فقط على فقر الدخل ولكن ايضا على الفقر بوصفه احد وجوه الحرمان من الخيارات والفرص في العيش حياة محتملة ومقبولة ويعد مؤشر الفقر البشري مؤشرا مجمعا لثلاثة مؤشرات اساسية للحرمان هي: مؤشر للحرمان من حياة طويلة بصحة جيدة وهو يتمثل في نسبة الافراد الذين يتوقع الا يعيشون حتى سن الاربعين والمؤ شر الثاني هو مؤشر تعليمي معرفي يتمثل في نسبة الامية، وتعتبر هذه النسبة عن درجة الحرمان من التسلح بالعلم والمعرفة والمؤشر الثالث يقيس درجة الحرمان من مستوى معيشي لائق وهو يتكون من مؤشر مركب من نسبة السكان الذين لايحصلون على مياه مأمونة ومؤشر غذائي صحي يتمثل في نسبة ناقصي الوزن من الاطفال دون سن الخامسة، وتعتبر هذه النسبة عن درجة القصور في القدرة على تأمين الغذاء الجيد وما يرتبط به من حالة صحية جيدة. وياخذ هذا المؤشر بعض الابعاد التي توضح مستوى المعيشة السائد في البلدان وهو محل الدراسة. الا انه يعاب عليه عدم اخذ اي مقياس للدخل في الاعتبار والاخطر من ذلك هو عدم وجود تعريف محدد لاحد مكونات هذا المؤشر الا وهي نسبة السكان الذين لايحصلون على مياه مأمونة فمثلا ما هو تعريف (مياه مأمونة)؟.

وكجميع المقاييس الاخرى فان الرقم القياسي للفقر البشري له مواطن ضعف من حيث البيانات ومن حيث المفهوم وكجميع المقاييس ايضا فليس بمقدوره ان يضع يده على الفقر البشري في مجموعه. ولكن الرقم القياسي للفقر البشري يجمع في رقم قياسي جيد يتعلق بالفقر والجوانب التي غالبا ما يتم تجاهلها عندما يكون التركيز على الدخل وحده، ومن هنا فان الرقم القياسي للفقر البشري يشكل اضافة مفيدة لقياس الفقر ويجمع الرقم القياسي للفقر البشري بين العناصر الاساسية للفقر ويكشف عن تناقض هام مع فقر الدخل واثمرت جهود العديد من المهتمين بقياسات الفقر في الدول العربية خلال العقدين الاخيرين وبدعم من العديد من المنظمات الدولية وفي مقدمتها البنك الدولي وبعض المنظمات المتخصصة للامم المتحدة بتطوير مجموعة من مؤشرات قياس الفقر التي تتفق مع المفاهيم والطرق المتفق عليها دوليا وتتصف هذه المؤشرات بخصائص عديدة مقارنة بغيرها مما ساهم في انتشار تطبيقها واعتمادها ليس على المستوى الوطني فحسب وانما لاغراض المقارنة الدولية ايضا. ولكن تقتصر قياسات فقر الدخل على عدد محدود من دول المنطقة وهي الاردن وفلسطين ولبنان ومصر واليمن وتونس والمغرب توضح الكثير من المؤشرات الى ان 27بالمائة من سكان الدول العربية يعانون من الفقر البشري (مقياس الفقر البشري ومكوناته في الدول العربية 2000-2001م) كما ان دول المنطقة تتباين من حيث مستويات الدخل بها وكذلك مستوى التنمية البشرية فانها تتفاوت ايضا في مستويات الفقر وخاصة الفقر البشري وتوجد الاردن على رأس الترتيب تليها البحرين وقد خفضت هذه البلدان من الفقر بين الناس الي رقم قياسي للفقر البشري تبلغ قيمته اقل من نسبة 10بالمائة وبمعنى آخر فان هذه البلدان خفضت من نسبة الفقر البشري الى النقطة التي لايؤثر فيها الا على اقل من نسبة 10بالمائة من السكان وفي اسفل القائمة هناك خمس دول تجاوزت فيها الرقم القياسي للفقر البشري بنسبة 30بالمائة وهي اليمن ومصر والعراق والمغرب والسودان، يمكن تقسيم الدول من حيث الفقر البشري الى اربع مجموعات تضم المجموعة الاولى الدول ذات الفقر البشري المنخفض (مقياس الفقر البشري بها اقل من 10بالمائة) وتضم هذه المجموعة كل من الاردن والبحرين بالترتيب اما المجموعة الثانية فتتضمن الدول ذات الفقر البشري المتوسط (من 10بالمائة الى 20بالمائة) واغلب الدول العربية تقع ضمن هذه المجموعة (لبنان والكويت وقطر والامارات وليبيا والسعودية وسوريا وتونس على الترتيب) وتشمل المجموعة الثالثة للدول ذات الفقر البشري المرتفع (من 20بالمائة الى 30بالمائة) وتضم عمان فقط واخيرا تقع العراق ومصر والسودان والمغرب واليمن ضمن المجموعة الرابعة ذات الفقر البشري المرتفع جدا (اكثر من 30بالمائة).

د. فهد محمود الصبري