الايدز واثره على المجتمع

الأبعاد العالمية للوباء

في - الأربعاء 27 ديسمبر 2006

تشير التقديرات الآن إلى أن هناك نحو 42 مليون شخص في مختلف أنحاء العالم مصابين بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز، يعيش 95 فى المائة منهم في البلدان النامية ويقدر معدل الاصابة اليومية بحوالي 14 الف حالة في العالم واصيب حوالي 5 مليون شخص في عام 2003م فقد قدر عدد المتوفين بسبب الايدز في نفس العام بحوالي 3 مليون مصاب منهم 2.5 مليون من البالغين وحوالي 490 الف حالة من الاطفال الاقل من خمس سنوات ويمثل عدد الاصابات في الشرق الاوسط بحوالي 750 الف مصاب حتى عام 2003م وفي اليمن بلغ عدد الاصابات حتى عام 2005م حوالي 1714 حالة اصابة.

والأمر الذي يدعو للأسف هو أن هذا المرض مازال يواصل انتشاره. ونظرا لأنه يصيب عادة أكثر أفراد المجتمع قدرة على الإنتاج الاقتصادي (15-43)، فإنها مشكلة لها أهميتها البالغة بالنسبة للزراعة، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. لذلك فإن فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز هو وباء عالمي حقيقي.

وتتصدر الهند قائمة البلدان التي يعيش فيها أكبر عدد من المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية، حيث يبلغ عددهم هناك أربعة ملايين شخص، أما على المستوى الإقليمي فإن أكبر حجم لهذا الوباء يوجد في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث يحمل 24 مليون شخص فيروس هذا الوباء.

•لم تشكل، على امتداد التاريخ، الاّ أزمات قليلة تمثل تهديدا لصحة البشر وتقدمهم الاجتماعي والاقتصادي مثلما فعل وباء فيروس نقص المناعة البشرية/متلازمة نقص المناعة المكتسبة (الإيدز). بل إن الأمر يزداد سوء إذا لوحظ أن الكثير من المعاناة التي سببها هذا المرض، كان ممكن منعهما. والأمل معقود على امكانية انقاذ حياة الكثيرين، وتقليل شقائهم، والحد من انتشار الوباء إذا تضافرت الجهود.

ورغم ذلك، سيظل لوباء فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز وتأثيراته الضارة واسعة النطاق على التنمية الاجتماعية والاقتصادية لسنوات عديدة قادمة. فلم يعد من الممكن اعتبار هذا المرض مجرد مشكلة صحية، فالأمر بحاجة إلى جهود كافية لمعالجة آثاره الاجتماعية والاقتصادية والمؤسسية.

كما أن له تأثيره الخطير والمتزايد على الصحة والتعليم والتغذية، والأمن الغذائي، والإنتاج الزراعي. فجميع الجوانب المتعلقة بالأمن الغذائي أي توفر الأدوية واستقرارها، وفرص الحصول عليها واستخدامها -كلها تتأثر سلبيا كلما زاد انتشار هذا المرض.

الاثار الناجمعه عن انتشار مرض الايدز

لفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز تأثير كبير على التنمية الاجتماعية والاقتصادية لكثير من البلدان. ونظرا إلى أن الإيدز يفتك غالبا بالناس من الفئة العمرية 15-45 سنة، فإنه يحرم الأسر، والمجتمعات، والأمم عموما من الشباب وأكثر السكان إنتاجا. وهو متفرد في آثاره المدمرة من حيث أنه يؤدي إلى زيادة الفقر، والإطاحة بمنجزات التنمية البشرية، وإضعاف قدرة الحكومات على تقديم الخدمات الأساسية والحفاظ عليها، وتقليل اليد العاملة المتاحة وخفض الإنتاجية، وتوقف النمو الاقتصادي. وتتلخص اثاره بالاتي:

-التأثير المباشر على الأسر: عند الاصابة لرجل او المراة بالايدز في اسرة ما يكون اول امر هو تفكك الاسرة وتشرد الابناء ناهيك النبذ من الاهل والاقارب والاصدقاء واحيانا التعرض للعنف هذا ان لم يكونوا معظم افراد الاسرة قد اصيبوا بالايدز وجرت العادة على حدوث انهيار تدريجي في مستوى العائلة/الأسرة مع إصابة أول شخص بالغ من أفرادها بهذا المرض. فالإنفاق على الرعاية الصحية يزيد، والإنتاجية تقل، والطلب على الرعاية يتزايد. وينخفض إنتاج الأغذية ويتراجع الدخل بسرعة مع زيادة عدد المرضى. وبمجرد أن تنتهي مدخرات الأسرة، تلجأ إلى الأقارب، وتقترض النقود أو تبيع أصولها الإنتاجية. وقد أثبتت إحدى الدراسات التي أجريت في أوغندا، أن 65 في المائة من الأسر التي عانت من مرض الإيدز، قد اضطرت إلى بيع ممتلكاتها لتسدد نفقات العلاج. وكثيرا ما يضطر الأطفال إلى قطع دراستهم، مع احتياج الأسرة إلى المساعدة وعجزها عن دفع المصروفات المدرسية. ويضيع الوقت الذي كان يخصص من قبل لرعاية الأطفال، والنظافة العامة، وتجهيز الأطعمة وتحضيرها. وعندما يقضي أحد المصابين بالإيدز نَحَّبه، فهناك تكاليف الجنازة، ثم هناك تراجع قدرة الأسرة على الإنتاج. وطبقا لإحدى الدراسات التي أجريت في تنزانيا، فإن تكاليف الجنازة تمثل 60 في المائة من التكاليف المباشرة لمريض الإيدز. وفي المرحلة التالية، يقع الزوج صريع المرض وتتزايد سرعة انحدار الأسرة. وينتهي الأمر إلى أن لا يتبقى من الأسرة سوى الشيوخ والأطفال المعوزين. وقد لا يكون لدى هؤلاء الأفراد سوى قدرة محدودة على اتخاذ القرارات والحصول على الموارد للاستمرار، بالإضافة إلى نقص معارفهم وخبراتهم وقدراتهم الجسمانية اللازمة كلها للمحافظة على الأسرة. وربما عجز الأقارب عن رعاية الأطفال الذين فقدوا آباءهم.

-التأثير على التغذية: ينخفض استهلاك الأغذية عادة في الأسر التي تتعرض للإصابة بمرض الإيدز. فقد لا تجد الأسرة الوقت ولا الطعام ولا وسائل إعداد بعض الوجبات، وخاصة عندما تموت الأم. فقد ظهر من البحوث التي أجريت في تنزانيا أن استهلاك الفرد من الأغذية قد انخفض بنسبة 15 في المائة في أشد الأسر فقرا عندما يموت أحد البالغين. وكم من دراسات أجريت في أوغندا أن انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية كانا من أهم المشكلات المباشرة التي واجهتها الأسر المنكوبة بالإيدز التي ترأسها نساء. بالنسبة لأي مريض، فإن سوء التغذية ومرض الإيدز قد يشكلا حلقة مفرغة، فنقص التغذية يزيد من فرص التعرض للإصابة ليزيد بالتالي من حدة المرض، ليؤدي المرض بدوره إلى زيادة تدهور الحالة التغذوية. وحتى قبل أن تظهر على الشخص أعراض المرض، فإن الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية قد يؤثر على حالته التغذوية. فقد يفقد الشخص شهيته، ويعجز عن امتصاص العناصر المغذية، وتبدأ حالته في التدهور.

-التأثير الغير مباشر: تتأثر المؤسسات، والأعراف والتقاليد بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز. فعندما تتأثر نسبة كبيرة من الأسر بهذا المرض، فإنها تكتسح أمامها آليات الأمان التقليدية لرعاية الأيتام، والمسنين، والعجزة والمعوزين. فالمرض لا يبقي وقتا يمكن تخصيصه للمنظمات المجتمعية. إن الخسارة الكبيرة للبالغين المنتجين، تؤثر على قدرة المجتمع بأسره على البقاء والتجدد. فآليات نقل المعرفة والقيم والعقائد من جيل إلى جيل تنقطع، والتنظيم الاجتماعي ينهار. وقد تضيع المهارات ، عندما يعجز الأطفال عن مشاهدة آبائهم وهم يعملون. ونظرا للفصل بين الجنسين، فإن من يبقى من الأبوين على قيد الحياة يعجز عن تعليم الأبناء خبرات من قضى نَحَّبه منهما. وفي داخل أي أسرة وخصوصا الريفية، هناك اختلاف ملحوظ في تأثير المرض، اعتمادا على من يصيبه أولا هل هو الرجل أو المرأة. والحقيقة، أن انتشار فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز يمكن أن يمزق نسيج المجتمع نفسه.

-الفقر والمرض: يهاجم فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز الفقراء أكثر من غيرهم. فالأسر الريفية التي تصاب بالمرض تتحول عادة إلى أنشطة غير زراعية للحصول على دخل، وهي عادة أنشطة التجارة البسيطة، والتجهيز، والخدمات، وكلها تحتاج إلى الدخول في المجتمعات المحلية الحضرية وشبه الحضرية. وقد يهاجر السكان بحثا عن فرصة عمل، أو يسعون للحصول على دخل سريع، الأمر الذي قد يؤدي إلى سلوكيات محفوفة بالمخاطر الشديدة مثل سوء استعمال العقاقير أو امتهان البغاء. وهكذا يتسبب الفقر في زيادة خطر العدوى، ويؤدي المرض بدوره إلى زيادة الفقر.

-التأثير على المجتمع: يهدد فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز نسيج المجتمع نفسه بالخطر، وأصبح ينظر إليه بشكل متزايد على أنه عامل من العوامل التي تهدد بالخطر الاستقرار الاجتماعي والسياسي. فها هو الإيدز يحصد القسم الأعظم من أجيال بكاملها من صغار البالغين المنتجين، مخلفا وراءه أفواجا ضخمة من الأطفال اليتامى الذين هم بلا دعم كافي من المجتمع، والمعرضين للاستغلال والذين يعوزهم التعليم وفرص كسب العيش.

-الصحة: لقد أوقع الإيدز بالفعل خسائر هائلة من حيث زيادة معدلات الوفيات والمراضة. ففي البلدان الأفريقية الخمسة والثلاثين الأشد تأثرا بالإيدز، يقدر العمر المتوقع عند الميلاد بنحو 48.3 سنة في الفترة 1995-2000، أي بنقص مقداره 6.5 سنوات عما كان يمكن أن يكون عليه في غياب الإيدز. ومن المتوقع بحلول الفترة 2005-2010 أن يتناقص متوسط العمر المتوقع عند الميلاد في الأحد عشر بلدا الأشد تأثرا بالإيدز بحيث يصل إلى 44 سنة، بدلا من أن يرتفع إلى 61 سنة كما كان متوقعا في غياب الإيدز. كما تتزايد حاليا معدلات وفيات الأطفال في بعض أشد البلدان تأثرا بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز.

-التعليم: مع وفاة المعلمين وتسرب اليتامى من المدارس، تتبخر سريعا المكاسب التي تم تحقيقها في مجال محو الأمية وتتقلص نسب الالتحاق بالمدارس. ففي بعض أشد البلدان تأثرا بالإيدز يتسرب من المدارس حوالي نصف الأطفال الذين يفقدون آباءهم بسبب فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز. ولم يكن يتوقع أن يصل عدد اليتامى بسبب الإيدز إلى 40 مليونا بحلول سنة 2010، فإن الدلائل تشير إلى أن الخطر الذي يواجه قطاعات التعليم في العالم كبير والتحدي اكبر في الفترة القادمة مالم يتم بذل الجهد للتصدي لهذا الوباء.

-النمو الاقتصادي: في أشد البلدان تأثرا بالإيدز، يؤدي الوباء إلى إبطاء النمو الاقتصادي بما لا يقل عن 1 إلى 2 نقطة مئوية سنويا، مما يهدد بشدة الجهود المبذولة للحد من نطاق الفقر عن طريق النمو المتكافئ. وسوف تشهد العديد من البلدان تناقص ناتجها الوطني الإجمالي بنسبة تتراوح بين خُمْسه ورُبْعه بحلول سنة 2020، وسوف يشهد بعضها تناقصا أكبر من ذلك، كما سيتأثر بشدة نمو القطاع الخاص وتنمية المؤسسات.

-فقر الدخل: يدفع فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز الناس في المناطق الريفية والحضرية على حد سواء إلى مزيد من فقر الدخل، إذ يفقد الكثير من الأسر المعيشية عائلها بسبب الإيدز، وتتأثر أسباب المعيشة بشدة، وتنكمش المدخرات بسبب تكاليف الرعاية الصحية والجنازات. وقد أظهرت إحدى الدراسات أن الأسر المعيشية التي فقدت عائلا واحدا بسبب فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز تنقص دخولهم بنحو 80 في المائة. وفي أحد البلدان، زادت نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر هذا بما لا يقل عن 5 في المائة نتيجة لفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز.

-قوة العمل: ولتوضيح تأثير الايدز على قوة العمل نذكر الحالة في افريقيا حيث من المتوقع أن يقل حجم قوة العمل في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بنسبة 10 إلى 30 في المائة بحلول سنة 2020 عما كان يمكن أن يكون عليه في غياب فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز. ومن شأنه تقلص رأس المال البشري، وفقدان العمال المهرة وذوي الخبرة، ونقص الإنتاجية أن تؤدي إلى التفاوت بين الموارد البشرية ومتطلبات العمل، مما تترتب عليه عواقب وخيمة بالنسبة لأصحاب الأعمال في القطاع الخاص والقطاع العام على حد سواء.. كما كشف تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية ان فيروس الايدز يشل القوى العاملة في العديد من البلدان، واضافت منظمة العمل الدولية ان 3.5 ملايين شخص في سن النشاط المهني توفوا عام 2005. بالاضافة الى ذلك، يخسر اكثر من مليون شخص وظائفهم سنويا بسبب الفيروس.

واشارت منظمة العمل الدولية في تقريرها ان هناك ضرورة كبيرة لتأمين العلاجات المضادة للفيروس، وان لم يحصل ذلك، فان عدد ضحايا الايدز بين الذين في سن النشاط المهني سيبلغ 45 مليون في عام 2010 ويتضاعف بحلول عام 2020.

-الحكومات: لفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز أثر واضح على قدرة الحكومات على توفير الخدمات الاجتماعية الأساسية. فها هي الموارد البشرية تضيع، والإيرادات العامة تتناقص، والميزانيات تحول أموالها للتغلب على الأثر الناجم عن الوباء. كما أن البقاء التنظيمي لمؤسسات المجتمع المدني مهدد هو الآخر بالخطر، وتتأثر الديمقراطية تبعا لذلك.

-المرأة تتأثر: المرأة تأثرا شديدا بوجه خاص بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز سواء فيما يتعلق بدورها الإنتاجي أو دورها الإنجابي. ويبدو أن المرأة أشد تأثرا بعدوى فيروس نقص المناعة البشري لأسباب بيولوجية واجتماعية على السواء، إذ تزيد معدلات العدوى بين الشابات بما يصل إلى أربعة أضعاف نظائرها بين الشبان في كثير من البلدان. كما أن المرأة هي مقدم الرعاية الرئيسي لمرضى الإيدز وللأطفال الذين يَتَّمهم الإيدز.

-عمالة الاطفال: ويؤدي فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز إلى تفاقم مشكلة تشغيل الأطفال، إذ يضطر الأطفال الذين يفقدون آباءهم إلى الاعتماد على أنفسهم لتوفير الأسباب الأساسية لبقائهم على قيد الحياة إن تلافي انتشار المرض يكتسي أهمية بالغة فبدون وقف انتشار المرض، لن يكون لأي جهود تبذل لتخفيف آثاره أية قيمة. ولابد أن تقرر كل حكومة كيفية مساهمة وزاراتها ومؤسساتها وخصوصا التعليمية والصحية وشركائها في مجال التنمية في جهود الوقاية والتصدي للوباء.

مواضيع ذات صلة